رحم الله زمنا، كانت فيه السرقة الفكرية والادبية، تحتاج إلى مرجع مفقود أو
شبه مفقود، وتحتاج أيضا إلى جهد حقيقي في النقل من هذا الكتاب إلى تلك الصفحات
التي تنشر في بعض الصحف أو المجّلات أو بين دفتي كتاب.
الخير شوار
في العصر الرقمي هذا أصبح الامر لا يحتاج إلا إلى تحديد النص، ثم النسخ
وبعدها اللصق، ومن هنا وصف عصرنا هذا بعصر النسخ واللصق، وتفنن في ذلك الصحفيون
وأصحاب البحوث والمداخلات الجامعية والأدباء. ومقابل هذه السهولة في النقل، أصبحت
هناك سهولة أكبر في كشف السارق، ولا يحتاج الامر إلا إلى نسخ جملة من المتن ثم
وضعها على محرك البحث غوغل يحيلك مباشرة على النص الأصلي.
ويبدو أن أمر النسخ واللصق هذا، أقدم بكثير من العصر الرقمي، وحتى أصبح أمر
السرقات الفكرية والادبية من أقدم المهن في التاريخ. وكان الامر شبه مقتصر على
سرقات الشعراء والأدباء من أجل الشهرة بالدرجة الاولى. لكن الأمر تعدى ذلك إلى
سرقات للبحوث والرسائل الجامعية، وأصبح بإمكان احدهم أن ينجز رسالة في ساعات
معدودات بفضل المشرف الأول السيد غوغل. وطال الامر شهادات الدكتوراه التي لم يعمل
البعض فيها إلا على «جزأرة» و«تحيين» رسائل جامعية أجنبية. وبدا أن الكثير من
الجامعيين في مأمن من «كشف المستور» لأن رسائلهم بقيت داخل أدراج الجامعة، لولا أن
البعض غامر ونشر منتوج غيره المنسوخ ضمن كتب لعموم الناس، ومن هنا جاءت الفضيحة
تلو الاخرى. وما نخشاه هو أن تتم رقمنة التراث الجامعي بالكامل وساعتها، يصبح من
الصعب بل من المستحيل أن نجد إنتاجا علميا أصيلا. إنها التداعيات الخطيرة للثورة
الرقمية التي ستسقط الكثير من الآلهة المزيفين.
تعليقات