التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفنان امحمد بن قطاف: أبي الروحي في المسرح هو مصطفى كاتب



يعود الفنان امحمد بن قطاف عبر هذا الحوار، إلى بدايته الفني الأولى في المسرح الإذاعي مع الراحل محمد ونيش، ليعرج على المسرح الوطني الذي دخله بعد ذلك مع الراحل مصطفى كاتب. إنها رحلة خمسين سنة كاملة في عالم المسرح بين التمثيل والاقتباس والترجمة والكتابة ثم الإدارة.

الفنان امحمد بن قطاف
حاوره: الخير شوار

-من التمثيل إلى الكتابة المسرحية إلى الإخراج ثم الإدارة. ماهي الصفة الثابتة في الفنان امحمد بن قطاف، هل هي التمثيل أم الإخراج؟
-التمثيل، لأنه حبي الأول. لكن عندما ذقت حلاوة الكتابة، لا من الناحية الأسطيطيقية (الجمالية)، لكن من ناحية الأشياء التي تريد أن تقولها للناس. لأن الكاتب يستطيع أن يكلّم الناس، الممثل يبلّغ بفن وبروعة، مع أن التمثيل له حلاوته، فأنت على خشبة المسرح تكون الوحيد الذي تتكلم. لكن الكتابة لها طعمها الخاص، فبعد مرحلة البحث في الشخصيات تأتي مرحلة التدوين، فإذا كنت تكتب النص في سنة فأنت طيلة هذه المدة في اكتشاف مستمر. تعتقد في البداية أنك تعرف الشخصية التي تكتب عنها، لكن أثناء المسافة بين بداية الكتابة ونهايتها تكتشف الشخصية من جديد فتضيف لها أشياء وتنقص أخرى، بمعنى أنك تصنع هذه الشخصية. كأنك تنقش تلك الشخصية.
التمثيل عالم آخر، والفنان بين الكتابة والتمثيل ينقش شخصيات ويبنيها، ويحكي للناس حكاية مفيدة. المسرحية بالنسبة لي هي جملة مفيدة.

-بخصوص جذور تجربتك المسرحية، سبق وأن قرأنا لك كيف ساهم الفنان الراحل محمد ونيش في دخولك هذا المجال، أكان المرور من الإذاعة إلى المسرح ضروريا؟
-المسرح الإذاعي أثّر كثيرا في تجربتي، وفي الإذاعة اشتغلت مع واحد من رواد المسرح، وهو محمد ونيش رحمه الله، إضافة إلى فنانين آخرين، ونيش هو أول من تبناني في الإذاعة، فبعد البداية في حصص أدبية، وضع فيّ هذا الفنان الثقة وأعطاني أدوارا مهمة لشكسبير ومولير، إضافة إلى أدوار بوليسية ساهمت كثيرا في تكويني. أذكر لما شاركت في برنامج «شموع التلفزيون» سألني المذيع جلال: كم مسرحية عملت في الإذاعة حينها؟ تذكرت أني بقيت ثلاث سنوات في الإذاعة وكنا ننتج مسرحية كل عشرة أيام، فأجبت قائلا: حوالي 250 إلى 300 مسرحية، لكنه فاجأني باني شاركت في أكثر من 600 مسرحية. اشتغلت في هذا الكم الهائل من المسرحيات في مختلف الأدوار، فقامت بتكويني ودفعت بتجربتي الفنية والحياتية أكثر من عشر سنوات إلى الأمام. وفي المسرح الإذاعي لا تعتمد إلا على الوت وهذا الأمر ساعدني كثيرا في صقل موهبتي. ومن هنا بدأت الاهتمام بالكتابة، وأنا في الإذاعة قمت بترجمة «عطيل» و»تاجر البندقية».
لقد بدأت الكتابة، لا لأصبح كاتبا، وإنما من أجل أن أجسّد ما كتبت. لكني لما التحقت بالمسرح الوطني كممثل وكان ذلك سنة 1966، وبعد سنتين أعطاني الفنان الراحل مصطفى كاتب «إيفان إيفانوفيتش» لناظم حكمت التي ترجمتها وأخذت عنوان «ابليس لعور كاين منو»، وكانت تلك أول ترجمة رسمية في المسرح الوطني التي كُتب فيها اسمي في الأفيش كممثل وكمترجم وكان ذلك سنة 1968.  ثم كانت لي تجربة أخرى سنة 1971 حيث أسند لي مصطفى كاتب تجربة «الرجل صاحب النعال المطاطية» التي شاركنا بها في مهرجان المنستير بتونس إضافة إلى عرضها في الجزائر، فكان ذلك من أول تجاربي في الكتابة للمسرح انطلاقا من الترجمة. وانطلاقا من هذه التجربة في الترجمة ثم نتيجة لقراءاتي المتعددة لشكسبير وموليير وبكيت ويونيسكو وكل الكلاسيكيات المسرحية إضافة إلى نصوص لكتّاب جزائريين مثل أحمد رضا حوحو وكاتب ياسين وعبد القادر علولة وكاتب ياسين والطاهر وطار، فما طلعت عليه من خلال القراءة وما قمت به من ترجمة وما كتبته من أغاني خاصة بالعروض كل ذلك ساهم في تكويني ككاتب فيما بعد. فعندما تقرأ لعنترة بن شداد فأنت تكتشف حكاية، كذلك الامر مع الحطيئة والاخطل وغيرهم، وكل تلك القراءات أثّر فعلا فيّ ككاتب، حيث كتبت أول نص تأليفا خالصا وهو «حسنة وحسّان» وكان ذلك سنة 1975 التي أنجزها الفنان سيد أحمد أقومي والذي كان حينها مديرا لمسرح قسنطينة –عنابة وهي السنة التي تأسست فيها «اللامركزية» في المسرح، وكان أول عمل مني مساهمة لتشجيع ودعم اللامركزية التي أحسست منذ البداية بأن شيئا مهما أن يكون لنا مسرح في وهران وقسنطينة وفي كل مناطق البلاد. وأذكر أن هذه المسرحية (حسنة وحسان) التي أنجزت في عنابة وأخرجها سيد أحمد أقومي جسدها فنانون أصبحوا من المشاهير مثل صونيا، ومحمد فلاق، وحميد رماص ومصطفى عياد وغيرهم وهي المجموعة التي تحمل على عاتقها الآن المسرح الوطني. ومن هنا بدأت رحلتي مع الكتابة المسرحية.

-من بين النجاحات الكبرى التي حققتها، مسرحية «قالوا لعرب قالوا» المقتبسة عن «المهرج» لمحمد الماغوط، كيف ساهمت في إنجاز هذه المسرحية؟
-البعض يعتقد أني كاتب المسرحية، لكن الحقيقية ليست كذلك، أنا ساهمت فيها من خلال اختيار النص أولا ثم كتابة أغاني العرض التي قام بتلحينها الموسيقار الراحل الشريف قرطبي رحمه الله، كما شاركت أيضا بأداء دور صقر قريش (عبد الرحمن الداخل) أما اقتباس المسرحية فقد أنجزه عزالدين مجوبي مع زياني الشريف عياد.  

-وماذا عن نصوصك الأخرى التي كتبتها بعد «حسنة وحسان»؟
-بعد التجربة الاولى التي تكمت عنها، أنجزت ثاني عمل وهو «قف» (stop) سنة 1976 أو 1977 على ما أذكر، وأخرجها الحاج عمر، ومثّل فيها عز الدين مجوبي وصونيا ومصطفى عيّاد وغيرهم. ثم كتبت مسرحية «جحا والناس» سنة 1980.

وماذا عن «عفريت وهفوه» التي أعدت بعد ذلك للتلفزيون؟
-هذه المسرحية اقتبستها أو أعددتها إن صح التعبير عن مسرحية بعنوان «ولا العفاريت الزرق» للكاتب علي سالم، وكان ذلك سنة 1977 على ما أذكر. أنا أعدت كتابتها وجعلت أحداثها في مناخ محلي وأعطيتها اسم «عفريت وهفّوه»، وتتلخص فكرتها في أن أحدهم أراد أن يقوم بمعجزة في بلد المعجزات، بلد فيها الجن البشري أكثر من الجن.
لقد نجحت «حسنة وحسان» وفتحت نقاشا عندما كتبت عنها الصحف، ثم «قف» و»جحا والناس». وبعد أن كنت أردد كلام الناس، أصبحت في هذه المرحلة أردد كلامي، وربما أحسست بأن لدي أشياء في داخلي أود قولها.

-لنتكلم عن اقتباسك لقصة «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» للطاهر وطار والتي جسّت فيها أيضا شخصية الشيخ العابد. قرأنا القصة مكتوبة، لكنها أعدت كتابتها بشكل مختلف للمسرح، كيف حدث ذلك، وقد أعاد وطار قراتها مسرحيا؟
-أذكر أن الراحل الطاهر وطار كان قد حضر العرض الأول وأعجبه كثيرا، وقال لي مازحا «لقد قتلتنا بالوطنية». وكنا حقيقة مشبعين بالروح الوطنية، وهي قصة يتغلب عليها الطابع الوطني وكان الناس فيها تقريبا كلهم «ناس ملاح». لقد طرح عليّ السؤال في دمشق: ماذا أضف للنص؟ وماذا يمكن أن تضيف؟ لكن عندما شاهدوا المسرحية اكتشفوا الإضافات التي قدّمتها. أضفت للقصة مثلا شخصية خديجة التي لم تكن في النص الأصلي. الشيخ العابد يذهب إلى المحطة ينتظر القطار، كذلك يفعل شيخ البلدية وأعوانه. الشيخ العابد ينتظر ولده الشهيد، أما شيخ البلدية فكان ينتظر مسؤولين قادمين من العاصمة. الشيخ العابد شخصية «ثقيلة» يموت في النهاية، لان القطار المنتظر لا يتوقف عند تلك المحطة، مع أن التحضيرات كانت متقدمة في البلدية من خلال الأعلام واللافتات والتنظيف، وفي النهاية يقف الشيخ العابد في وسط السكة الحديدية من أجل أن يوقف القطار لكن القطار يدوسه في النهاية. المسرحية نجحت بسبب تراكم التجربة عندنا، ولسبب آخر وهو أن الطاهر وطار رحمه الله كانت كل كتاباته فيها أجواء مسرحية.

-هو في الأصل كاتب مسرحي، وقبل الروايات كتب نصوص مسرحية كـ»الهارب» و»على الضفة الاخرى»؟
-بالفعل، ولهذا السبب فأنت تستطيع وبسهولة أن تحول أي نص كتبه الطاهر وطار إلى المسرح. وبخصوص مسرحية «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، فقد احتفظت بالعنوان الأصلي الذي كتبه وطار لأني لم أجد أفضل منه، رغم أني فكرت في بعض الاقتراحات مثل «لو كان يولوا» وغيره.

-كل هذا حدث قبل أحداث أكتوبر 1988، وفي زمن الحزب الواحد. ورغم الأحادية إلا أنكم كنتم يقومون بنقد سياسي لاذع، فهل كان لهم هامش أم كنتم متمردين؟
-لا هذا ولا ذاك. لم نكن متمردين، ولم يكن هناك قانون يسمح لنا بتلك المساحة من النقد، إنما القضية تتعلق بالوعي. قضية أن تكون مخلصا لمهنتك. عملي أنا هو الكتابة، أما الآخر يمكن أن يدخلني السجن. عندي أشياء انتقدها في مجتمعي، ثم أننا كنا نقوم بالنقد البنّاء، لم نكن نهدم من خلال النقد، كنا نقدم مسرحيات لتشريح الواقع، بكل صدق، ولم نكن نشتم أحدا. وهذا هو المسرح الجزائر. لقي نسي البعض كيف نشأ المسرح الجزائري. نشأ في ظروف استثنائية. مع بدايات القرن الماضي، كانت هناك نهضة في الجزائر، فمع استعداد فرنسا للاحتفال بمئوية احتلال الجزائر، كان المجتمع الجزائري بصدد نهضة كبيرة تجسدت في تأسيس الفرق الرياضية والحركات السياسية والحركات الفنية وفي هذه الاجواء تأسس المسرح الجزائري الذي لا يمكن إلا أن يكون جريئا.

-قبل التعددية، كتبت مسرحية «جيلالي زين الهدات» التي تتحدث عن موضوع كرة القدم، كيف جاءت تلك التجربة؟
-قال لي حينها الفنان محمد فلاق أنه يريد ترجمة مسرحية برازيلية عنوانها «موت مناصر»، وكنت مهوسا بكرة القدم، وقلت له أني أستطيع كتابة مسرحية جديدة عن الموضوع دون أن أترجم تلك المسرحية البرازيلية، ومن هنا جاءت «جيلالي زين الهدات» الشخصية الجزائرية، تتمثل في قهواجي مناصر للفريق الوطني، وكان ذلك سنة 1986 في أجواء كأس العالم بالميكسيك التي شارك فيها المنتخب الوطني كما هو معروف. وأخرج تلك المسرحية محمد فلاق بطريقة جيدة، وطيلة ساعة ونصف ساعة أدى مصطفى عياد دوره بكل قوة وأبدع فيها كممثل، وكانت تلك المسرحية بالنسبة لي استراحة، وشخصية جيلالي ليست فكاهية بالمعنى الفكاهي،  لكنها مرحة ويحبها الناس. لقد بدأت الأمور تتغير في جزائر ذلك الوقت، وكانت أحدث تلك المسرحية إسقاط عما كان يحدث حينها، فتكلمنا حينها عن التغيير القادم.

-وجاء التغيير في أكتوبر 1988، وكتبت في تلك الاجواء مسرحيات «فاطمة» و»العيطة». كيف تقارن نصوصك التي كتبتها قبل التعددية والاخرى التي كتبتها بعد ذلك؟
-أعتقد أن كل كتاباتي لها خط واحد. وبعد التعددية بدأنا بـ»العيطة» في إطار مسرح القلعة، الذي أسسناه بعدما خرجنا من المسرح الوطني. مسرحية «العيطة» بدأت كتابتها في بداية سنة 1988، ولم أكن أتصور ماذا سيقع بعدها، وقدمنا العرض الأول يوم 5 أفريل 1989، وكانت من أنجح مسرحياتي، وقدمت في الجزائر في حوالي 180 عرض، زيادة على عروض اخرى في العراق مثلا ونالت الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج. وكانت انطلاقة جديدة في كتاباتي المسرحية، ثم جاءت «فاطمة» عندما طلبت مني صونيا أن أكتب لها شيئا. وبدأ مسرح القلعة الذي أنتج بين 1989 و1993 سبع مسرحيات.

-للأسف لم تستمر تلك التجربة، كيف حدث ذلك؟
-لم تستمر لأن الاحداث كانت أسرع منّا. كان معنا في مسرح القلعة تقنيان سيد علي عياشي وبلعور، ومن الممثلين كنت أنا وعز الدين مجوبي وصونيا وزياني الشريف عياد، واستعنا في بعض العروض مع بعض الفنانين مثل دليلة التي اشتغلت في «باية» كما استعنا في عروض أخرى سيد أحمد أقومي وحكيم دكار الذي كان في بدايته حينها. لكن دخول سنة 1994 كان صعبا جدا. لقد بدأت الاغتيالات التي تجاوزت الشرطة والسياسيين إلى المثقفين والفنانين، واغتيل عبد القادر علولة في فيفري من نفس السنة. وحينها افصل عز الدين مجوبي عن الفرقة، كذلك فعلت صونيا التي دخلت في تجربة أخرى، وأصبح الامر صعبا جدا أن تنجز مسرحا في تلك الظروف الاستثنائية، والمرء حينها لم يمكن يستطيع الخروج من بيته بعد الخامسة مساء، ولم نكن في القطاع العام الذي يفور لنا الأجور. وحينها أعطيت مسرحيتي «التمرين» لزياني الشريف عيّاد، التي كنت كتبتها في أكتوبر 1993 وسافرت في عمل إلى اوزباكستان، وانجزها زياني في فرنسا مع سيد أحمد أقومي وحيمور، ثم عدت أنا إلى الجزائر التي بقيت فيها إلى غاية نهاية 1994 حيث سافرت في إطار منحة تأليف. ثم عملنا «وسط الدار» وهي عبارة عن كولاج بين الكثير من المسرحيات التي أنجزناها سنة 1995، ولم أنقطع عن الجزائر، حيث كنا أحرص على الكتابة هنا، وزاد الامر سوءا عندما تم إغلاق المسرح الوطني سنة 1996 من أجل ترميمه وتم إخراج معظم الفنانين للتقاعد.

-وانتهت تلك المرحلة بعودتك النهاية سنة 1999، وبدأت مرحلة اخرى سنة 2003 على رأس المسرح الوطني؟
-ككان ذلك في أوت 2003، ولم أكن أتصور أن أبقى على رأس إدارة المسرح الوطني كل هذه المدة، وبكل صدق وبالتعاون مع الجيل الجديد أنجزنا أشياء مهمة، والجيل الجديد هو يحمل على عاتقه الآن المسرح الجزائري.

-قبل سنوات، كنت أسست فضاء صدى الأقلام من أجل ردم الهوة بين الأدباء والمسرح، هل نجحت الفكرة؟
-كنت أعرف أن هناك شباب يكتب، لكن أين يقرأ ولمن يقرأ؟ ومن هنا فتحنا المجال للكتّاب الشباب، وتمكنا من إنتاج حوالي عشر مسرحيات انطلاقا من النصوص التي قرئت في هذا الفضاء، وشاركت حتى في بعض المهرجانات.
كتّابنا يمتلكون جمال اللغة، لكنهم لا يكتبون للمسرح، ومن هنا حاولت تقريبهم من المسرح وأن نتقرب نحن منهم. والآن جاءني طلب من جمعية في بشار تطلب فتح فرع لصدى الأقلام هناك. وسنفتح فرعا هناك إضافة إلى فرع في أدرار وفي قسنطينة وسينتشر على مستوى كل المسارح والكثير من الجمعيات.

-لم نعد نراك فوق تمثل، هل أخذت الإدارة من الخشبة؟
-الإدارة أخذتني حتى من الميدان الإبداعي، فمهنة التمثل أو الإخراج تحتاج إلى تفرغ 200 في المئة، لأن الدور يأخذ منك 24 ساعة يتبعك في كل مكان حتى وأنت نائم. استطيع أن أمثل انطلاق من تجربتي لكني لن أكون في مستوى الممثلين الذين معي والذين تفرغوا لهذا العمل. هم  يشتغلون 12 ساعة يوميا أما انا فأشتغل 4 ساعات في الأسبوع، فليست شهرة بن قطاف هي التي تقف على الخشبة، والشهرة لا يمكن أن تلعب مكانك.

-أرى الآن صورة الراحل مصطفى كاتب على حائط مكتبك، كيف علقتها دون غيرها من صور زملائك؟
-أعتبره أبي الروحي في المسرح، هو الذي أدخلني المسرح الوطني وهو الذي وزعني في أول مسرحية بالعربية الفصحى وهي «عنبسة» للراحل أحمد رضا حوحو، ربما وجد فيّ أشياء فأعطاني الفرصة في الكتابة والتمثيل والترجمة. ثم هو الذي كان السبب في فتح معهد برج الكيفان الذي فتح المجال للكثير من الطاقات الشابة للبروز في عالم الفن.

-كيف تستعيد ذكرى زملائك الراحلين، خاصة الذين رحلوا في ظروف مأساوية؟
-عندما اغتيل علولة، كنت هنا في الجزائر، أما عندما اغتيل عزالدين مجوبي فكنت في أمريكا، وكنت سافرت إلى هناك في إطار منحة تأليف وهناك كتبت «موقف إجباري»، ولم أسمع بخبر موته إلا بعد مرور أشهر من ذلك، وسمعت الخبر المفاجئ في مطار بفرنسا، عندما أخبرني احدهم وكان يعتقد بأني أعلم بالأمر، فكان يقول: أن مدير المسرح اغتيل، فاعتقدت بأنه يتكلم عن علولة وإذا به يتكلم عن مجوبي، وساعتها صعقت للخبر، لان علاقتي بمجوبي لم تكن مجرد زمالة، فهي أعمق من ذلك بكثير. وأتذكر هنا كل الذين رحلوا مثل الحاج عمر الذي أطلقته اسمه على إحدى قاعات المسرح، وعلال المحب ومصطفى كاتب ويحي بن مبروك وعمي قاسي وحسان الحسني والطيب أو الحسن وكلتوم وياسمينة وغيرهم. كنا حوالي تسعين ممثلا هنا بالمسرح الوطني في الستينيات وكنا أقل من أربعين في الثمانينات وكانت تلك المصائر المختلفة. وكان من الصعب جدا أن نعيد بناء الأشياء وأن أتذكر كل الذين مروا من هنا.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة