التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"هدّارة".. سيرة امتزجت فيها حقيقة مع الخيال

طرزان الجزائري.. عاش مع النعام وشارك في الثورة العربية

شخصية غريبة تشبه إلى حد كبير شخصية "طارزان" الذي عاش في الغابة مع الحيوانات، وشخصية كاسبور هاوزر الألمانية والطفلة الهندية مانديرا التي عاشت مع الغزلان.
اسمه "هدّارة" الذي عاش مع النعام، وتؤكد الكثير من الشواهد التاريخية أن الصحراء الجزائرية كانت مليئة بقطعان النعام الذي كاد ينقرض منذ حوالي 50 سنة، ولم يعد له وجود إلا في الحدائق العامة وبعض المحميات الطبيعية، ورغم هروبه من البشر إلا أن بعض المرويات الشعبية تؤكد بأنه احتضن طفلا في الشهر التاسع من عمره والذي سيعرف فيما بعد بـ"هدّارة" واستطاعت كاتبة سويدية اسمها مونيكا زاك سبقت لها وأن زارت المنطقة، أن تحولت حكايته الممزوجة بالخيال المجنح إلى راوية عنوان "الطفل الذي عاش مع النعام".
وبخصوص تلك الشخصية يؤكد المؤرخ الجزائري أحمد تواقين أنها حقيقية لكن الحكواتيين حوّروا فيها كثيرا حتى أصبح البعض لا يكاد يصدّقها، وينطلق من شهادته الشخصية ويعود في كلامه إلى الأربعينيات من القرن العشرين بين سنتي 1947 و1948 ويقول: "في ذلك الوقت وكنّا نحن أطفال صغار، جاء إلى تندوف بشكل مفاجئ رجل غريب الأطوار سيعرفه الناس باسم "هدّارة" وفي المكان الذي يسمى "أودي العقاية" كنا نحن الأطفال الصغار نخرج وقت من الكتّاب حيث كنا نقرأ القرآن، وفوجئنا بذلك الشخص الذي كان يجلس في هيئة نعامة، وكنا في شقاوة الاطفال نرميه بالحجارة، فينتفض قافزا كما النعام، وهو يمر بنبات سّامة ويلتهمها أمامنا ولا يحدث له أي مكروه"، وكان يمص إصبعه الإبهام وكأنه يشرب منه شيئا، وبعد أشهر قليلة من ظهره اختفى بشكل مفاجئ كما ظهر لأول مرة ولم يعد له أثر".
وربما تلك الذكرى الطفولة البعيدة هي التي جعلت المؤرخ أحمد تواقين يبحث في تلك الشخصية التي اشتهرت كثيرا على المستوى المحلي.
وحكاية "هدّارة" يرويها شيخ من منطقة توات بالجنوب الغربي الجزائري اسمه محمد سالم، الذي يكون قد التقى هدّارة وروى له كيف هبت العاصمة الرملية على أهله وتاه ذلك الطفل الذي كان في الشهر التاسع من عمره، وساعتها احتضنته نعامة وعاش مع النعام سنواته الأولى من عمره قال أن من قام بتختينه "شخص غير عادي" وساعة الختان لم يشعر بألم، وعلّمه أجزاء من القرآن الكريم وبعض كتب الفقه الإسلامي على مذهب الإمام مالك بن أنس المعروف بالمنطقة، وقال له: إذا شعرت بالجوع مص أصبعك الإبهام الأيسر وكان يفعل ويشرب من تلك الأصبع الحليب. وبقي مع النعام إلى غاية العاشرة من عمره تقريبا قبل أن يكتشفه شخص عمل حيلة وأعاده إلى قومه، وعندما أعاده إلى أهله كان لا يتكلم وظنوا بأنه أبكم ولما علموا بانه يحفظ أجزاء من القرآن الكريم وكانوا أميين لا يقرأون ولا يكتبون أصبح له شأن كبير وذهب في رحلتين إلى الحج وكانت الرحلة الاخيرة في العشرية الثانية من القرن العشرين عندما شارك في "الثورة العربية" ضد جيوش الأتراك العثمانيين، وفي كل مرة يشعر بالحنين إلى بني قومه من النعام كان يعود إليهم وتأرجحت حياته بين العيش مع النعام والعيش مع البشر إلى أن توفي حوالي سنة 1958، وقد عاش حوالي 145 سنة.
لقد كانت حكاية هدّارة من الغرابة حيث أهمت به وكتب عنه الكثير من الباحثين والمؤلفين وإضافة إلى الصحفية السويدية مونيكا زاك المتخصصة في الأساطير والتي سبق لها أن أجريت تحقيقيا ميدانيا في الأماكن الذي يفترض أن عاش فيها ذلك الكائن الأسطوري وكتبت عنه روايتها "الطفل الذي عاش مع النعام" وترجمت إلى الكثير من اللغات العالمية ومنه اللغة العربية وصدرت النسخة المعربة في الجزائر سنة 2007، كما كتب عنه باحث سوسيولوجي من دولة مالي في مجلة "الإنسان والمجتمع" لعالم الاجتماع الفرنسي لوسيان غولدمان وغيرهم كثير.
وعندما نسأل المؤرخ أحمد تواقين الذي بحث في شخصية هدارة، وأين تنتهي الحقيقة ويبدأ الخيال، يؤكد أنه ينقل بأمانة علمية المرويات كما سمعها من أصحابها، ويقول أن الكاتبة السويدية مونيكا زاك في روايتها اعتمدت كثيرا على الخيال المجنح في ملأ نقاط الظل الكثيرة التي اكتنفت الحكاية المروية دون أن ينقص ذلك من قيمة حكاية "طارزان الجزائري" الذي ينتظر من حول شخصيته إلى فيلم سينمائي بمقاييس عالمية كما حدث مع شبيهه طارزان.
الخير شوار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة