التخطي إلى المحتوى الرئيسي

موضوع غلاف لمجلة «باري ماتش» عمره 51 سنة

صفية صاحبة الصورة الأشهر في الجزائر تروي قصتها


صفية يوم 11 ديسمبر 1960، وفي الأعلى صورة حديثة لها



قد تكون صورة صفية التي التقطها منذ 51 سنة مصور مجلة «باري ماتش» الفرنسية وتصدرت الغلاف يومها، هي واحدة من أشهر الصور في تاريخ الجزائر، خصوصاً أنها ارتبطت بتظاهرات الاستقلال ودور المرأة فيها. صفية بقيت مجهولة رغم شهرة صورتها، لكنها اليوم تخرج إلى العلن وتروي كيف أخذت تلك اللقطة وفي أي ظروف.

الخير شوار
"معركة الجزائر" التي تحولت على يد الإيطالي الراحل جوليو بونتيكورفو إلى واحد من أجمل الأفلام في تاريخ السينما السياسية برأي إدوارد سعيد، كانت بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على الحقبة الكولونيالية الفرنسية، أما مظاهرات 11 ديسمبر 1960 فهي تتويج لتلك المرحلة الفاصلة. وهي مظاهرات يعرفها معظم الجزائريين الذين يطالعون تاريخهم الحديث في الكتب المدرسية والجامعية وفي «متحف المجاهد« الرسمي الذي يحوي أنفس الوثائق المتوفرة لدى السلطة الجزائرية. هذه الوثائق تضم صورة مأخوذة من مظاهرات 11 ديسمبر 1960، التقطها مصور «باري ماتش» الفرنسية ونشرت كصورة للغلاف بعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ، ونالت شهرة واسعة.
السلطات الرسمية في الجزائر كانت لا تعرف صاحبة الصورة التي كانت تصرخ في وجه المحتلين منادية بسقوط الاستعمار. تلك المرأة التي فرحت بعد سنة ونصف من ذلك باستقلال الجزائر وبقيت بعيدة عن الأضواء، لم يسأل عنها أحد لحد الساعة، لذا ذهبنا لنلتقيها بعد سنين طويلة  مما حدث، ولتسرد حكاية الصورة من البداية.
اسمها صفية واسم عائلتها برايك واسم عائلة زوجها الذي حملته بعد ذلك «شريف»، وهي من سكان الجزائر العاصمة. سنة 1960 كان عمرها تسع عشرة سنة، مخطوبة تستعد للزفاف، ولا تعرف عن تلك التظاهرات التي يتم تنطيمها شيئا.
تستعيد صفية يوم 11 ديسمبر، وهي تستقبلنا في بيتها في حي الأبيار في الجزائر العاصمة قائلة: «خرجت والدتي أولا رفقة صديقتها التي كنا نناديها «ماما»، ملبية النداء بالتظاهر، ولم تخبرني بالأمر الذي كنت أجهله تماما. وبعد غياب دام حوالي ساعتين عادت منهكة إلى بيتنا في ضاحية «هواء فرنسا» بعيدا عن ساحة التظاهر التي كانت بالقرب من ساحة الشهداء حاليا. ولما سألتها عن سبب عودتها منهكة لم تجبني، لأنها اعتقدت أني كنت أعلم بأمر التظاهرة ولم أستجب لها، ولما علمت قررت أن أذهب معها. وبالفعل لبست العجار (الزي الذي تظهر به في الصورة القديمة) وجاءت معنا «ماما» وركبنا الحافلة التي أوصلتنا قرب ساحة الشهداء، ولما وصلنا وجدتني أصيح مع المتظاهرين الذين كانوا ينادون بشعارات مثل: «الجزائر مسلمة»، «تحيا جبهة التحرير الوطني» وكانت لغة التظاهرة حينها بالفرنسية طبعا.
بعد أكثر من ساعة من الصراخ والاحتجاج لمحت مصوراً صحفياً يقترب، ويطلب أن أتهيأ حتى يلتقط لي صورة. وبالفعل أخذ أكثر من صورة ثم طلب مني أن أصعد فوق سيارة كانت متوقفة هناك ففعلت رفقة بعض المتظاهرين الذين صعدوا معي وكان المصور سعيدا بأخذ الصور. ثم سلكت التظاهرة منعرجا آخر، وجاءت سيارات «جيب» وكان في مواجهتها المجاهدون الذين يحرسوننا، وطبقنا أوامر المجاهدين بأن نقتحم أقرب بيت نجده مفتوحا عند إطلاق الرصاص. وبالفعل بعد دقائق من ذلك بدأ إطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، وكانت أمي تأمرني بالجري فهربت رفقة صديقتي «ليلى رشاد» التي كانت معي ثم أصبحت وجها تلفزيونيا بعد الاستقلال، وسلكنا الطريق المعروف باسم «لالير».
تتوقف صفية عن الحديث قليلا لتستجمع الذاكرة ثم تواصل قائلة: «كنت لا أكاد أستطيع فتح عيني من تأثير القنابل المسيلة للدموع، عندما اقتحمت بيتا لا أعرفه، ولما تناولت الماء سمعت من يطلب فتاة باسم «صفية»، ولما ذهبت دلوني على مكان أمي التي وجدت رجلها مفصولة عن بقية جسدها وكانت مطروحة وقد حسبتها ميتة، وكنت أصرخ: يما (أمي بالجزائرية) قتلوها.. يما قتلوها. ثم تعاون معنا السكان وتجاوزت الصدمة بعد أن عرفت بأن أمي لم تمت وإنما فقدت رجلها فقط وأخذناها إلى المستشفى»، ثم تواصل الحكاية بتفاصيلها التي تمتد إلى ما بعد الاستقلال.
تؤكد صفية بأنها كانت تعرف مجلة «باري ماتش» التي نشرت الصورة على غلافها، وقد أخبرها المصور أنه أخذ الصور لصالح المجلة، لكنها تقول بأن صورتها وهي فوق السيارة لم تنشر ولم تعرف مصيرها إلى الآن. صفية التي كانت في بداية خمسينيات القرن العشرين تلميذة لأبي بكر جابر الجزائري الذي هاجر إلى المملكة العربية السعودية بعدها، تقول بأنها أغرمت بمهنة الصحافة من خلال تلك الصورة التي بقيت حية لحد الآن ويعرفها كل الجزائريين لكن معظمهم لا يعرف صاحبتها، ومن غرائب الأقدار أن ترزق بعد أخذ تلك الصورة بأشهر بابن سيصبح واحدا من أكبر الصحافيين الجزائريين وهو فيصل شريف الذي كان يدير يومية «الأصيل« في تسعينيات القرن العشرين، ومن بين أبنائها المصور الصحافي فؤاد شريف الذي اشتغل لصالح جريدة «الخليج» الإماراتية. وفؤاد يحتفظ في أرشيفه الشخصي بالكثير من الصور الجميلة النادرة لكن أجمل صورة وأهمها في ألبومه هي صورة أمه صفية الذي التقطها زميله في باري ماتش قبل أن يولد هو، وقبل أن تزف أمه صفية برايك شريف، صاحبة أشهر صورة لامرأة جزائرية بقيت هويتها مجهولة عند الكثيرين..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة