دائما ننسب "الأندلسي" إلى الأندلس ونتجاهل عبقرية أجدادنا
يرى نور الدين سعودي الباحث في الموسيقى الأندلسية أن هذا النوع من الموسيقي وإن حمل اسم الأندلس إلا أنه يعبّر عن خصوصية فنية مغاربية، ويجدد في حوار معه، دعوته إلى تأسيس أجواق مختلفة للمدارس الأندلسية في الجزائر، حتى لا تختصر تلك المدارس في مدرسة واحدة.
كيف ترى حال الموسيقى الأندلسية الآن؟
نرى أن الموسيقى الأندلسية اليوم عمت جميع جهات البلاد، حتى في المدن التي ليست لها تقاليد في هذا الفن، وهذا شيء
يبشر بالخير، وأصبحت من خلاله الموسيقى الأندلسية جزائرية، بمفهوم أنها نوع مشترك على المستوى الوطني، بينما الألوان الأخرى محصورة في جهاتها المعروفة مثل القبائلية والشاوية وغيرها، فالموسيقى الأندلسية عمّت بفضل المجتمع المدني الذي أسس عدة جمعيات المنتشرة على مستوى البلاد.
العدد الكبير من الجمعيات، هل تراه خدم الموسيقى فعلا؟
لنأخذ الجانب الإيجابي من الموضوع، فهناك بالفعل عملية زرع لهذا النوع على مستوى القطر الوطني، في مدن مثل بسكرة والسوقر ومدن أخرى ليست لها تقاليد موسيقية أندلسية، بعد أن كانت هذه الموسيقى متهمة بأنها أرستقراطية أو بورجوازية، وأرى أن هذه ''التهمة'' تراجعت إلى حد كبير.
على ذكر ''تهمة الأرستقراطية''، لقد قيل أن الموسيقى الشعبية العاصمة التي ظهرت في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، كانت ثورة ضد الموسيقى الأندلسية، إلى أي حد توافق على هذا الأمر؟
لا أرى أنها ثورة، بل أنظر إليها في إطار تطور المجتمعات، مثل القصيدة العربية التي بدأت مع معلقات امرئ القيس وزهير إلى التطور الشعري الذي حصل في الأندلس، ثم التطور الذي حصل بعد ذلك، وأرى أن هذا التطور في الموسيقى حدث عندما في شمال إفريقيا مع موسيقى الحوزي على سبيل المثال.
أنت ترى أن الحوزي ليس بالفن الأندلسي؟
نعم الحوزي ليس أندلسيا، هناك مفهوم يجب أن يتغيّر، نحن دائما ننسب الأندلسي إلى الأندلس، ونتجاهل عبقرية أجدادنا، والمنطقة عموما هي واحدة ولم نكن هناك حدود ثقافية ولا ''شنغن'' ولا غير ذلك، ومن أراد السفر فليفعل دون قيود ومن هنا يستطيع الحصول على المعلومة وعلى الفن من أي مكان، والموسيقى الأندلسية عندما نشأت في الأندلس كانت أسسها مغاربية.
إذن الأندلسي هو مصطلح فقط غير محصور في إقليم الأندلس كما كان في إسبانيا؟
نعم هي موسيقى مغاربية بالمفهوم الواسع، ولا علاقة لها بالمصطلح الجغرافي المعروف، والفضل يعود إلى الأقاليم المغاربية والمغرب الأوسط بشكل خاص في نشوء هذا النوع من الموسيقى.
ولماذا خصصت المغرب الأوسط بتطور الموسيقى الأندلسية مع أنها انتشرت في الأقاليم الأخرى؟
لأنه في هذه الرقعة الجغرافية، تطورت أنواع الموسيقى المعروفة على اختلافها، كان هناك جوق محمد فخارجي، استلهمت منه الكثير من الأجواق الموسيقية في مختلف البلدان المغاربية، هناك مثلا التونسي صالح المهدي أسلهم أشياء كثير من موسيقى المالوف، والفرق المغربية استلهمت كذلك من النمط الأندلسي الذي انتشر في المغرب الأوسط بفروعه الثلاث (قسنطينة، والجزائر وتلمسان)، ربما نحن لا نشعر بقوة وصلابة وثراء الثقافة التي نمتلكها، لكن ما يجب أن نعرف أن ثقافتنا وصلت إلى العالمية ونحن لا نشعر بذلك.
اليوم عندما نرى الموسيقى الأندلسية تنتشر، نشعر بالفخر والاعتزاز، ومع انتشارها أسقطنا تهمة الأرسقراطية والبورجوازية على هذه الموسيقى، والموسيقى الشعبية ليست ثورة ضد الأندلسي بقدر ما هي تعبير عن تطور لمجتمع.
بما أنك تقول أن ''الشعبي'' هو تعبير عن تطور للمجتمع، لماذا نتشبث بالقديم (الأندلسي) الذي تجاوزه المجتمع لصالح النمط الغنائي الذي ابتكره؟
الأمر لا يتعلق بالرجوع إلى الوراء، فالمنبع الذي على أساسه تم ابتكار أنماط موسيقية مختلفة، علينا أن نعود إليه في كل مرة، والموسيقى القبائلية مثلا لها أوجه عديدة، هناك ما يشبه الشرقي وهناك ما يشبه الشعبي العاصمي إلى غير ذلك، ومن هنا علينا بالعودة إلى الأندلسي لكي نستلهم الطبوع الموسيقية لكي نوظفها في الأنماط الموسيقية المحلية عندنا.
أطلقت منذ مدة تصريحا مثيرا مفاده أن الجوق الوطني للموسيقية الأندلسية هو ''خيانة للذاكرة''، هل من توضيح لهذه الفكرة؟
في هذا السياق أنا أفكر في كتابة مقال أوضح فيه الأمر، حتى لا يفهم كلامي على غير ما قصدته، فكل تجارب الحياة هي تجارب مفيدة، هي تجارب تجعلك تجاوز الأخطاء والنقائص، والتاريخ هو خلاصة تلك التجارب، فهذه الموسيقى انتشرت في البلاد نتيجة لعوامل تاريخية وجغرافية متعددة، وعندما انتشرت طغت عليها الألوان المحلية لكل منطقة، فالمالوف له خصوصيته، والعاصمي له خصوصيته والموسيقية التلمسانية لها خصوصيتها، فقد يكون منبعها واحد لكنها تفرعت وتعددت بعد ذلك، بحكم التاريخ والجغرافيا، وهذا عامل إثراء، فما دامت هناك حقيقة ثقافية فرضت نفسها في الميدان، فعندما من هذا المنطلق ثلاث مدارس متفرعة، وكل مدرسة اخترعت لنفسها معالم، حتى ولو كان منبعها واحد، فالأداء واستعمال الموازين يكون مختلفا مع كل مدرسة، وأنا على سبيل المثال اخترعت نوبة خاصة بي.
(مقاطعا).. هل يمكن أن عدد النوابات الاندلسية أصبح 13؟
لا أدعّي ذلك، وأترك الأمر للزمن، فقد يصمد معه ويحفظها التاريخ، كما قد تذهب إلى عالم النسيان، لذلك قلت لك بأن التاريخ هو خلاصة تجارب إنسانية، والنوبات الأندلسية ليست وليدة تجارب فردية معزولة، بل هي نتيجة جهود أجيال، هناك من اجتهد ووضع جوقا تؤدى فيه كل الطبوع وهناك في الجوق فنانون من المدارس الثلاث، وكل عنصر له شخصيته.
من هنا ترى أن الجوق الواحد بإمكانه القضاء على الثراء الموجود في الواقع؟
بالضبط، فأنا أراد يؤدي إلى ذلك، فالشخص الذي يؤدي طابعا ليس من اختصاصه يؤدي ذلك بالتقادم إلى القضاء على المدارس الثلاث لتصبح في الأخير مدرسة واحدة، فالإنسان يساير التجربة لكن مع مرور الوقت عليه أن ينتبه لبعض الأمور، فيا حبذا لو عملنا على تنمية وإثراء كل مدرسة على حدة بأن يكون لها جوقها الخاص. فالمشكلة ليست في المزج بين المدارس وأنا أستطيع مثلا المزج بين الأندلسي والهندي، المشكلة في البصمة الموجود لكل مدرسة التي أخشى من زوالها من خلال توحيد الجوق.
وماذا عن دور اليهود في الموسيقى الأندلسية؟
أنا لست متخصصا في علم الموسيقى، لكن اليهود المختلفين عن المسلمين من الجانب الديني، لكن ثقافتهم تبقى عربية إسلامية، وثقافة يهود شمال إفريقيا هي ثقافة مغاربية عربية أمازيغية، فمن الطبيعي جدا أن يشاركوا في إثراء ثقافتهم، إلى تاريخ محدد كانت ثقافتهم كذلك ولم تكن لهم ثقافة غير هذه الثقافة، مثلما للأشكناز ثقافة روسية والفلاشة ثقافة إفريقية، فطبيعي جدا أن يعمل اليهودي الجزائري في إطار ثقافته ويغني الموسيقى الأندلسية من هذا الجانب.
حاوره: الخير شوار
تعليقات