التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«بليسا» وبائعو الريح


إحدى لوحات الفنانة المكسيكية "فريدا كاهلو"


ليست بالقصة القصيرة، مع أن الامر يتعلق بشخصية ورقية اسمها «بليسا كريبوسكولاريو»، أبدعتها الروائية الشيلية إيزابيل أليندي.

الخير شوار
إنها العرّافة التي تفسر الأحلام وتبيع الكلام في أشكال مختلفة وكانت عبقرية إلى درجة أنها لا تغش في بضاعتها ولا تبيع الشخص غلا الكلمات الخاصة به.

هو الطيف الذي يعود هذه الأيام في «رحبة الكلام»، والكل يحاول استدراج الناس إلى بضاعته المتمثلة في بعض العبارات المرصوفة التي تلقى بصيغ مختلفة، طمعا في كسب ود المتلقي الذي لا يملك في النهاية إلا صوته الذي قد يطير ببائع الكلام ليحط به داخل القبة العجيبة حيث المن والسلوى.

يتهافت الخطباء وتتلعثم الكلمات في أفواههم وتنفض الجموع من حولهم، وكثير منهم يبدو أن غايته خانت وسيلته، أو أنه لم يكن مستعدا لموقف كهذا أو أنه يحتقر الجموع التي لا يرى فيها إلا حشودا تحمله إلى تلك القبة العجيبة. وبعضهم يعدد شهاداته «العلمية» ولا يستطيع التواصل مع الناس لأكثر من خمسة دقائق، وبعضهم عاد إلى دواره أو دشرته بعد غياب في العاصمة دام سنين طويلة ولولا هذه المناسبة لما عاد إليه إلا محمولا في نعش ليدفن في مقبرة العائلة وقد يوصي بأن يدفع في إحدى مقابر العاصمة. ومن هنا غاب البيان وأصبحت صناعة الكلام في هذه «الرحبة» كصناعة الريح العقيم.
وفي هذه اللحظة تقتحم «بليسا كريبوسكولاريو» المشهد، تلك المرأة التي لم تكن تمتلك إلا الكلمات والتي تدت بها أحد أباطرة الحرب في بلدها، وباعته كلمتين إثنتين، كررهما دون ملل طيلة حملته الانتخابية، وبعد أن أثٍّت في متلقيه أصابته لعنتها وأصبح أسير الكلمتين، وتقول الحكاية أنه وقف في الأخير «وبليسـا يتأمل كل منهما الآخـر، وعندما تقدمت المرأة نحـوه وأمسكت يده بين يديها، شاهـد العالم كله عيني النمر الضاري وهما تلينان وتفيضـان بالرقة، وفي تلك اللحظـة، أيقن الرجـال أن زعيمهم لن يتخلـص أبـداً من سحـر هـاتين الكلمتين الملعونتين».
ولما لم تقله الحكاية إنه وبعد هلاك الكلونال، وقفت بليسا في «رحبة الكلام» ورأت جموع الخطباء والريح العقيم تخرج من أفواههم تتحول في النهاية إلى صفير مزعج.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة