فرقة عيساوية |
هي موسيقى قريبة
من القناوة القادمة من أفريقيا السوداء، وتشترك معها في الطابع العام الذي يسمى «الديوان».
موسيقى «العيساوة» خفت نجمها حتى كادت تندثر، لكن ظروفاً عديدة اعادتها في السنوات
الأخيرة إلى الواجهة، في الفضاء المغاربي كله ووصلت بها إلى أوروبا.
الخير شوار
"العيساوة" طريقة صوفية مثل "التيجانية"
و«القادرية» وغيرهما، ولئن كانت أصول موسيقى القناوة أفريقية وثنية فإن «العيساوة»
صوفية إسلامية، مغربية المنشأ، انتشرت بقوة في الجزائر وتونس وليبيا وأوروبا، وأصبح
له مهرجانها الدولي الذي يطمح لنشرها بقوة. لكن ما يخشاه أتباع وعشاق «العيساوة» أن
يكون الاهتمام الرسمي بتلك الموسيقى العريقة سياسياً ظرفياً.
ظهرت «العيساوة»
لأول مرة في مدينة مكناس المغربية، ومؤسسها الذي تنسب إليه هو الشيخ محمد الهادي بن
عيسى الذي عاش في مدينة مكناس وتوفي سنة 1526 للميلاد بحسب بعض المؤرخين، وعرف بين
أتباعه على مدار القرون اللاحقة لوفاته بلقب «الشيخ الكامل». وقد عرف بأنه يدرب مريديه
على تلاوة القرآن الكريم مع ترديد الكثير من المدائح الخاصة بالرسول صلى الله عليه
وسلم التي انتشرت في عصره. وقد تطورت تلك الأهازيج التي كانت تؤدى جماعيا، على شكل
حلقات، إلى أن أصبحت لونا فنيا قائما بذاته، وانتشرت في كل أنحاء شمال أفريقيا، وصولا
إلى تونس وليبيا. ولئن كانت كلمات تلك الأغاني الجماعية دينية مدحية بالضرورة، فإنها
تعتمد على آلات موسيقية غاية في البساطة مثل البندير والطبلة والدف، وكلها آلات إيقاعية
وقد تعتمد على آلات المزامير أو ما يشبه ذلك في بعض المرات، وقد بقيت لمدة قرون تؤدى
بنفس الطريقة تقريبا. وحسب الفنان زين الدين بن عبد الله، وهو من أبرز المؤدين لهذا
الفن في الجزائر وله فرقة معروفة في مدينة قسنطينة، وهو محافظ «مهرجان العيساوة» في
دورته الحالية، فإن هذه الطريقة الصوفية تعود إلى «زاوية وزرة» التي كان مقرها مدينة
المدية التي تبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 100 كيلومتر إلى الجنوب، منذ القرن السادس
عشر الميلادي. وهو القرن الذي عاش فيه مؤسس الطريقة محمد الهادي بن عيسى. وقد أخذ رواد
الزاوية تلك الطريقة من مدينة مكناس المغربية، وساهموا في نشرها في كل أنحاء الجزائر.
ويؤكد باحثون أن تلك الموسيقى انتشرت في الشرق الجزائري عن طريق الزاوية الحنصالية
نسبة إلى مؤسسها الشيخ الحنصالي وهو من ضواحي قسنطينة، ثم انتشرت بعد ذلك في تونس وليبيا
حتى وصلت بقوة إلى أوروبا، في الوقت الحالي. ويؤكد زين الدين بن عبد الله أن شروط الانضمام
إلى فرق «العيساوة» بسيطة جدا، وتتطلب أن يكون المرء مسلما طاهر السريرة، لا يحمل حقدا،
وما الفرق العيساوية سوى وسائل للتربية الروحية. أما عن سؤال يتعلق بسبل تطوير تلك
الموسيقى التي بقيت تقليدية فإن بن عبد الله يؤكد بأن المضمون يجب أن يبقى دينيا مدحيا،
أما الموسيقى فهي شيء آخر قابل للمناقشة بين المختصين.
وموسيقى «العيساوة»
التي انتشرت بقوة طيلة القرون الماضية، بدأت تتراجع في القرن العشرين لأسباب يقول الشيخ
زين الدين بن عبد الله انها راجعة إلى التكنولوجيا الحديثة التي أتت بالتلفزيون والفضائيات
وغيرهما من وسائل التلقي الفني التي جعلت أفراد الأسرة الواحدة متفرقين كل في عالمه.
ويرى آخرون أن هناك
أسبابا أخرى لتراجعها، لعل أهمها الانتشار الواسع لأفكار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
في الشرق الجزائري خاصة. وهي الجمعية المتأثرة بأفكار محمد بن عبد الوهاب القادمة من
الحجاز والتي حرصت على محاربة «البدع». قد رأى بعضهم أن «العيساوة»، مع مرور القرون
قد تكون انحرفت عن الدين الصحيح. لكن في السنين الماضية بدأ الفكر الصوفي يعود بزخم
بحثا عن خصوصية ثقافية محلية من اجل محاربة ما سمي بـ «التطرف الديني». ومن هنا عادت
فرق «العيساوة» إلى الواجهة بقوة، وأصبح لها مهرجانها الخاص الذي أصبح مغاربيا وشاركت
فيه هذه السنة فرق من خارج الجزائر مثل الفرقة السلامية من تونس، والفرقة العيساوية
من المغرب، وفرقة العيساوة من ليبيا، إضافة إلى فرق عيساوية من مختلف مقاطعات الجزائر
المختلفة. ولئن كانت العيساوة واحدة من الناحية الفنية، فإن الاختلافات تكمن في الأشعار
المدحية الدينية التي تتغنى بها كل فرقة. ومن أشهر الشعراء الجزائريين الذين ما زالت
أشعارهم تتداول الولي الصوفي الصالح «سيدي الأخضر بن خلوف» دفين مدينة «سيدي لخضر»
قرب مستغانم بالغرب الجزائري والذي يقول في بعض قصائده: صلى الله على صاحب المقام الرفيع
والسلام على الطاهر
الحبيب الشفيع
قدر الداعي والمدعي
ومن هو سميع
قدر الشاري في السوق
ومن جاء يبيع
قدر الطايع للحق
رآه في أمره سميع
قدر ما قبضت اليد
الكافلة بالجميع
قدر الحلفة والدوم
والزرع والربيع.
موسيقى العيساوة
التي نشأت قبل قرون عديدة كانت مهددة بالاندثار، لكنها عادت بقوة مؤخرا في الجزائر
وغيرها وأصبح لها جمهور قوي في القارة الأوروبية وبعض أنحاء العالم الأخرى، ويأمل مريدوها
وعشاقها أن تتطور أكثر وتستمر، وألا يكون الاهتمام بها خاضعا لأجندة سياسية ظرفية.
فالسياسة تذهب لكن الفن باق.
تعليقات