التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مطعم ''هم•• هم'' و''القط بس بس'' ومقهى ''أشرب واهرب''


مطعم همي همي "المنشق" عن مطعم هم هم
 
"هم•• هم''، ''أشرب واهرب''، ''القط بس بس''••• وغيرها من الأسماء لمحلات تجارية، اشتهرت بغرابتها، ولئن كان لكل عنوان قصة، فإن القصة الكاملة لتلك التسميات تحيل إلى أحداث تاريخية معينة، كما تحين إلى فوضى لغوية، وغرابة ميول أصحابها الذين عملوا وفق قاعدة ''خالف تعرف'' جلبا للمزيد من الزبائن.
 
الخير شوار
بأعالي القبة بالجزائر العاصمة، تقرأ لافتة مطعم مكتوب عليها بأحرف لاتينية hami hami وبخط يشبه إلى حد ما ذلك الذي كتب به رمز شركات الأكل العالمية مثل ''ماكدونالد'' و''كويك''... وغيرها• وبقدر ما كانت تلك التسمية طريفة وملفتة، بقدر ما جاءت غامضة وتحتمل عدة قراءات مختلفة ومتناقضة، فمنهم من يقول بأن واضعها قصد الـ ''هم•• هم'' بمعنى الأكل في الثقافة الشعبية، ومنهم من ربطها بالهمّ العربية، وقال إن الأكل هناك من شأنه أن يزيل هم الجوع
كان الوقت ظهرا، وحركة الزبائن في ذروتها، وكان العمال يرتدون أزياء موحدة ومكتوب عليها علامة المطعم كما هي في الواجهة لتشعر أنك في مطعم من إحدى السلاسل الدولية الشهيرة، وعندما سألنا عن ''المعلم'' لنعرف منه بشكل مباشر سر التسمية تلك والقراءة الصحيحة من بين التأويلات المتعددة، قيل بأنه ذهب إلى المسجد لأداء صلاة الظهر، وناب عنه من كان وراء المحاسب الذي أجاب عن السؤال أولا متهكما وهو يقول ''همي همي•• ساكنة في دمي''، وسرعان ما دخل في الجد ليقول بأن تلك التسمية لها حكاية، فقبل سنوات كان مالك ذلك المطعم الذي تحوّل إلى سلسلة شريكا في مطاعم ''هم•• هم'' والتي تعني الأكل باللغة الشعبية، لكن الشركاء وقعوا في خلاف واضطروا لفض الشراكة وساعتها أخذ أحدهم الماركة المسجلة ''هم.. هم''، في حين أخذ الآخر التجهيزات وذهب العمال معه، وعندما أراد الاستمرار في تجارته تلك اضطر من أجل الحفاظ على زبائنه السابقين إلى إضافة حرف إي (I) اللاتيني لتتحول ''هم.. هم'' إلى ''همي.. همي''، ومازال ''هم•• هم'' يمتلك عدة مطاعم في مناطق مختلفة من الجزائر العاصمة، في حين فتح منافسه ''همي همي'' لديه مطاعم أخرى في مناطق أخرى.
 
السمنقريط والدهان عند القط
وغير بعيد عن مطعم ''همي.. همي'' ببن عُمار بالقبة، كان منذ سنوات أحد ''طلائي'' السيارات وكنيته ''القط'' يفتح مرأبا في حي البدر، بتسمية غريبة جدا هي ''السمنقريط والدهان'' وتحت بخط أصغر ''عند القط''، وعندما ذهبنا إلى المكان لنسأل صاحبه عن معنى ''السمنقريط'' التي اتخذها عنوانا لمحله، وجدنا المرأب مغلق واللافتة منتزعة وقيل بأنه توقف عن النشاط في ذلك المكان منذ مدة طويلة ولا نعلم وجهته، والأهم أنه أخذ معه سر ''السمنقريط'' الذي شغل الناس طويلا• ومن ''همي•• همي'' ببن عمار إلى ''سمنقريط'' حي البدر، لا تتوقف التسميات الغريبة عند ذلك الحد، بل تمتد إلى مناطق أخرى في الجزائر العاصمة وغيرها من مناطق البلاد، ولعل أغرب مقهى من ناحية التسمية تلك التي تقع في حي الأبيار وعرفت بين الناس بقهوة ''أشرب واهرب''، وكانت بالفعل تحمل تلك التسمية بشكل رسمي ليتم تغييرها في المدة الأخيرة فقط، عندما اضطر صاحبها الشيخ العاصمي إلى ذلك بسبب المشاكل النفسية التي سببها له.
 
هذي قهوة ''أشرب واهرب''
هي مقهى صغيرة بنيت على حافة ''حديقة تونس'' قرب مبنى مؤسسة ''رونو الجزائر'' التي لا تبعد عنها إلا بعشرات الأمتار، ويحكي صاحبها أن سر التسمية يكمن في المشاكل الكثيرة التي كان يتلقاها بشكل يومي من قبل نوعية محددة من الزبائن كانت ترتاد المكان، فقبل سنين كانت حديقة تونس مأوى للمنحرفين والمجرمين، وكان بعض العاطلين يدخلون إلى المقهى ويقضون داخلها ساعات طويلة بحجة شرب فنجان واحد من القهوة، وذات يوم وجد الشيخ صاحب المقهى أحدهم يقضي يوما كاملا هناك محتجزا مكانا لينفجر في وجهه قائلا: ''هذي ماشي قهوة أنتاع قعاد•• هذي قهوة أشرب واهرب''، ومن ساعتها استحسن الفكرة وقرر تسمية مقهاه بـ ''اشرب واهرب''، وظل المحل محافظا على تلك التسمية سنوات طويلة، قبل أن يغيرها بسبب تغير المحيط وعملية التهيئة التي حدثت في حديقة تونس وتحولت إلى حديقة محترمة وهجرتها تلك النوعية سيئة السمعة من الزبائن• ومازالت تلك المقهى الصغيرة التي اشتهرت باسم ''اشرب واهرب'' تحافظ على خصوصيتها الفنية وصاحبها اتخذ لها شعارا من إحدى الأغاني الشعبية وهو ''مازالنا حيين وانتوما قلتوا ماتوا''، والذي كتب بخط بارز داخل المبنى الذي يضم الكثير من صور أشهر فناني الأغنية الشعبية العاصمية• ولأن صاحب قهوة ''أشرب واهرب'' فنان ومزاجي، فهو لا يفتح إلا في الصباح ليغلق محله في حدود منتصف النهار مكتفيا بزبائن تلك الفترة.
 
الاستثمار حتى في قداسة مكة!؟
لا تتوقف التسمية الغريبة للمحلات التجارية عند الجزائر العاصمة، فالكثير من المحلات في المناطق الداخلية لا تقل تسمياتها غرابة عما هو موجود في عاصمة البلاد، ففي مدينة عين بسام مثلا بولاية البويرة لم يجد أحد باعة اللبن من وسيلة لجلب الزبائن إلا تسمية محله بـ ''لبن مكة''، ويبدو واضحا أنه أراد ''الاستثمار'' في القداسة الدينية لتلك المدينة الحجازية التي تعتبر قبلة المسلمين وأقدس مقدساتهم، أما في مدينة الحروش بشرق البلاد، فإن أحد أصحاب المطاعم استثمر في المخيال الطفولي وسمى مطعمه بمطعم ''القط بس بس'' الذي يحيل إلى تلك الحكاية التي كانت موجودة في كتاب القراءة القديم للسنة الثالثة ابتدائي، والتي تقول إن قطا اسمه بس بس نزل ضيفا عند صديقه مش مش، وكان الأخير يكرمه فيأتيه بالرغيف وعندما يأتي بالحساء يجده أكمل الرغيف، وعندما يأتي بالرغيف يجده أكل الخبز، وتكرر الأمر عشر مرات، وعندما انتهى من العشر وجبات قال بس بس لمضيفه مش مش أنه يشكو ألما في المعدة يمنعه من الأكل كثيرا، فنصحه مش مش بالتداوي بشقائق النعمان قرب جبال وهران، لكنه بعد التداوي أمره ألا يزوره ثانية•  وكثيرا ما ترتبط التسميات بأحداث تاريخية، ففي إحدى قرى شرق البلاد هناك محل لبيع الزلابية يحمل اسم ''حلويات أم قصر'' وأم قصر لمن لا يعرفها هي مرفأ صغير بأقصى جنوب العراق قرب البصرة شهد أولى المعارك في الحرب الأمريكية على العراق التي أطاحت بنظام صدام حسين سنة ,2003 والكثير من المحلات حملت أسماء ''أم المعارك'' و''العباس والحسين'' وحتى صدام حسين نفسه، وقد كان أصحاب تلك المحلات متعاطفين مع العراق في حربه الأولى والثانية ضد الولايات المتحدة الأمريكية•  وفي سنين ماضية كان هناك مطعم بمدينة عين ولمان بسطيف يحمل اسم ''مطعم حليلي شبعت'' ومعناها ''يا فرحتي لقد شبعت''، ولم يعد لذلك المطعم الصغير وجود، ومازال الناس يذكرونه بسبب طرافة الاسم الذي كان يحمله، وفي نفس المدينة مازال مرأب لتوازن عجلات السيارات يحمل عنوان ''كيلبراج بارالليزم''، وهي التسمية المفرنسة التي كتبت بخط عربي، وربما أراد صاحبها أن يكسب المعرّبين والمفرنسين على حد سواء، ولا تهمه اللغة في حد ذاتها أو ربما جاء العنوان تلخيصا للفوضى اللغوية التي نعيشها، وهو يعتقد أنه لو كتب ''توازن العجلات'' لما وصلت الفكرة التي أراد تبليغها تجاريا.
 
فوضى لغوية برعاية رسمية
تحيل تسمية ''كيلبراج بارالليزم'' الجديدة هذه إلى ظاهرة غريبة، لكنها رسمية، ففي سبعينيات القرن الماضي، وضمن ما سمي ببرنامج ''تعريب المحيط'' كانت مباني الدرك الوطني تكتب بأحرف لاتينية edarak elwatani،والأمر ينطبق على كل المصالح الحكومية والعمومية وحتى مدن كوهران مثلا التي تعرف بالفرنسية oran كانت تكتب بشكل رسمي wahrane، والأمر نفسه كان ينطبق على الجزائر العاصمة وقسنطينة... وغيرها من المدن التي كانت تكتب بالفرنسية كما تنطق باللغة العربية، لكن التجربة لم تستمر طويلا ولم تنجح وسرعان ما عاد الأمر إلى ما كان عليه في وقت سابق• وفي إطار فوضى التعريب مازالت إحدى إشارات المرور في الجزائر العاصمة تحمل اسم ''فال حيدرة'' ويعني بها واضعها ''وادي حيدرة'' باللغة الفرنسية.
تنويه: أنجز هذا الروبورتاج في ماي 2010  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة