عبد الحميد مهري |
رحل
أمس المناضل عبد الحميد مهري عن عالمنا عن عمر تجاوز الـ85 سنة بعد أيام من
الغيبوبة قضاها في مستشفى عين النعجة العسكري، حيث كان يتنفس اصطناعيا ويتغذى
ويتلقى دواءه وغذاءه عن طريق الآلات الصناعية، إنه «كبير الحوت السياسي» كما كان
يسمى إعلاميا وقد غادرنا إلى الأبد.
الخير
شوار
«المناضل
عبد الحميد مهري في ذمة الله»، عبارة تكررت بصيغ مختلفة في مختلف الصفحات الشخصية
لجزائريين في الفيسبوك، غير أن الخبر لم يصدّقه الكثير إلى درجة أن بعضهم طالب
بالتأكد منه قبل نشره، والراحل وأن كان في السادسة والثمانين من العمر وكان يشكو
المرض إلا أنه كان يحافظ على رشاقته البدنية والعقلية إلى درجة أن البعض لم يكن يصور
وفاته بهذا الشكل. أنه المناضل الذي انتقل إلى الواجهة وتحمل مسؤوليته في ظرف خاص
جدا مع محافظته على بساطته الشخصية. فعندما اندلعت أحداث الخامس من أكتوبر، كان
أول المستهدفين هو حزب جبهة التحرير الوطني الموصوف بـ«الجهاز» أول المستهدفين،
حيث توالت الدعوات بإرساله إلى المتحف وجمهور الغاضبين يصرخ: «مساعدية، سرّاق
المالية»، في إشارة إلى الاتهامات التي طالت المسؤول الأول عن الحزب بالفساد
والإشاعات التي ملأت البلاد بذلك. عندها لم يجد الرئيس الشاذلي بن جديد إلا
المناضل المخضرم عبد الحميد مهري الذي كان حينها سفيرا في المغرب من أجل إنقاذ
الموقف، وقيل حينها إن الشاذلي لم يعمل إلا على الاستعانة بصهره بحكم أن سهى ابنة
مهري الوسطى متزوجة مع نجل الشاذلي بن جديد، ولم يكن الوزير الأسبق في الحكومة
المؤقتة و»المركزي» القديم حينها معروفا على نطاق واسع لدى الأجيال الجديدة حينها
كسياسي محنك، رغم أنه منصب وزارة الإعلام والثقافة في بداية حكم الشاذلي سنة 1979،
وفي ظرف عاصف تمكن هذا السياسي القديم من إعادة الروح إلى الحزب وجنبه مصير المتحف
واستطاع أن يكون ندا قويا للجبهة الإسلامية للإنقاذ في عز مد تلك الظاهرة، وفي
لحظة تاريخية مناسبة أقدم مهري على نزع الغطاء عن السلطة التي كانت تحكم باسم «الأفلان»،
ولأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة، يقود عبد الحميد مهري حزب جبهة التحرير
الوطني إلى المعارضة بخطاب سياسي مناقض للخطاب الرسمي بداية من حدث إلغاء المسار
الإنتخابي في جانفي 1992، ومن ساعتها وهو يحبط المحاولة الانقلابية عليه تلوى الأخرى
على توجهه داخل الحزب، وبعد أربع سنوات من «المقاومة» تمكن خصومه بقيادة بوعلام بن
حمودة وعبد القادر حجار من إسقاطه ضمن العملية التي سميت «المؤامرة العلمية» سنة
1996 ومن ثم عاد الأفلان إلى حضن السلطة من جديد، لكن مهري لم يطلّق خطابه السياسي
الذي أصرّ عليه وهو في المنفى المؤقت قبل أن يعود إلى البلاد من جديد دون أن يعود
إلى قيادة الأفلان التي احتكرت قياداتها المتعاقبة لعبة «المؤمرات العلمية»
والحركات التصحيحية المتعاقبة.
ورغم
تجاوز مهري للثمانين من العمر، فقد حافظ على يقظة ذهنية كان يحسد عليها، وهو الذي
يتابع بحيوية شاب في العشرين تقلبات المشهد السياسي المحلي والأقليمي بروح نقدية
عالية دون أن تكون صدامية، وكسياسي محترف كان يتكلم عن تاريخ الثورة المليء
بالصراعات الداخلية بين مختلف المناضلين ومختلف التوجهات، دون أن يقع في الفخاخ
الكثير كرجل يتجاوز حقول الألغام بأعجوبة.
ومع
انطلاق ثورات الربيع العربي، وقبل إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الإصلاحات
في شهر أفريل الماضي، كان عبد الحميد مهري قد وجّه له رسالة مفتوحة في شهر مارس
2011 دعاه فيها إلى تغيير النظام بالطرق
السلمية، ووجّه له تلك الرسالة كما قال: «مراعاة لما يقتضيه المنصب من احترام، فإن
تغيير نظام الحكم الذي يستجيب، بالطرق السلمية، لرغبات الشعب الحقيقية لن يكون، على
ما أعتقد، إلا نتيجة جهود تشترك فيها كل القوى السياسية والكفاءات الشعبية''، لكن
المناضل الذي ملأ الدنيا، ضاقت به الأمكنة ولم يجد قاعة يعقد فيها ندوته الصحفية
للإعلان عن مضمون تلك الرسالة، واضطر لعقدها داخل مقر جبهة القوى الاشتراكية التي
لم ينتم إليها يوما مع أن رسالته تلك كانت شخصية.
لقد
كان يعاني مرض الشيخوخة، لكنه يظهر كشاب لم يتمكن منه الزمن، وعندما دعه فضاء ألف
نيوز ونيوز في شهر اوت الماضي للنقاش، كان حينها في كندا، لكنه وعد بالحضور وكان
عند وعده وهو يصارع التعب ويقاوم الألم، وجدد دعوته إلى حوار وطني شامل لا يقصي
أحدا كضرورة قصوى للخروج من حالة الانسداد السياسي التي تعاني منها البلاد.
وعبد
الحميد مهري الذي ولد سنة 1926 في الخروب قرب قسنطينة والذي نشأ في منطقة واد الزناتي (ولاية
قالمة)، كان منذ شبابه من أبرز المناضلين في حزب الشعب- حركة انتصار الحريات
الديمقراطية قبل الثورة التحريرية لينحاز أثناء أزمة الحزب إلى المركزيين، لكنه
التحق بالثورة مبكرا ليعتقل ثم يلتحق بقيادة جبهة التحرير ويحمل أكثر من حقيبة في
الحكومات المؤقتة، كما حمل أكثر من حقيبة في حكومات الاستقلال قبل أن يكون سفيرا
في فرنسا ثم في المغرب ليتيم قيادة الأفلان في ذلك الظرف الخاص. ورغم أنه ملأ
الدنيا، إلا أن المعلومات عن حياته الشخصية شحيحة جدا، وعلمناه عن حياته الخاصة
أنه أب لثلاثة أبناء هم سهيل، وسامية وسهى، والثلاثة تبدأ أسماؤهم بحرف السين،
ووابنه سهيل هو مهندس لم يجد من وسائل لفتح مكتب واضطر لفتح في بيت أبيه، وكان
الراحل يمتلك سيارة صغيرة من نوع بيجو 206 يقودها بنفسه وليس له حرس شخصي، وله بيت
متواضع في حي حيدرة.
ومثلما
اختار المناضل عبد الحميد مهري، أسلوبه السياسي المتفرد، اختيار أيضا مرقده
الأخير، حيث تسب من بيته أنه أوصى بدفنه في مقبرة سيدي يحي بوسط العاصمة إلى جانب
رفيقيه المناضلين سعد دحلب وبن يوسف بن خدة.
محطات
3
أفريل 1926
الميلاد
بالحروش قرب سكيكدة
1958
وزير
في الحكومة الجزائرية المؤقتة
1979
وزير
الإعلام والثقافة
1984
سفير
الجزائر في فرنسا
1989
امين
عام حزب جبهة التحرير الوطني
تعليقات