مع تعدد التجارب في الكتابة الادبية باللغة
الفرنسية في الجزائر، وبروز أسماء جديدة في كل مرحلة، كان من الصعب جدا، بل من
المستحيل تحديد أبرز الكتّاب بهذه اللغة. هذه بعض ملامح عشرة من الأدباء الذين
بروزا في العشرين سنة الاخيرة، وليس كل الذين بروزا في المرحلة نفسها. إنه الوجه
الآخر للأدب الجزائري الذي لا يكتمل إلا من خلاله. وهي دعوة لإعادة قراءة هذا
التراكم الادبي، من أجل إسقاط ما يشبه جدار برلين الذي حاول بعض الإيديولوجيين
وضعه بين كتّاب البلد الواحد.
الخير شوار
من مواليد مدينة عنابة عام 1971، ويعتبر من
أهم الأصوات الادبية التي ظهرت في جزائر ما بعد أحداث 1988. وكان من المرشحين
لجائزة الغونكور، كما رشح ونال عدة جوائز أدبية أخرى. ترجم له الروائي محمد ساري
رواية "أقتلوهم جميعا" وهي الرواية التي صدرت بالفرنسية سنة 2006، وتروي
حكاية انتحاري من الجماعات المسلحة، ورغم أنه اختار موضوعا "إعلاميا"
بامتياز وفرض نفسه عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إلا أنه تجنب الكليشيهات
الجاهزة، والحكي بطريقة نمطية كثيرا ما تناولها الإعلاميون والكتّاب عن
الانتحاريين الإسلاميين، بل لجأ إلى لغة كثيفة، ولجأ إلى رسم شخصياته بكثير من الحرفية
وأضاء من خلالها الكثير من نقاط الظل في الموضوع. وعرف أيضا من خلال الكثير من
الروايات منها، "كلب عوليس" و"الكاهنة" و"أتوبورتريه مع
غرناطة" وغيرها.
ولد بمدينة غليزان عام 1968، وتلقى تكوينا
علميا حيث نال شهادة البكالوريا شعبة رياضيات، إلا إنه اتجه إلى الصحافة والأدب من
خلال معهد الإعلام والاتصال ومعهد الآداب. وبدأ الكتابة الصحفية في كبرى الجرائد
الناطقة باللغة الفرنسية على غرار "لوسوار دالجيري" و"ليبرتي"
وأخيرا "الوطن"، حيث عُرف بتحقيقاته وروبورتاجاته الكبرى، داخل وخارج
البلاد، وكانت من ثمارات عمله الميداني، تغطيته المتميزة لحرب العراق سنة 2003
والتي صدرت بعد ذلك عن "دار
القصبة". وبالتزامن مع هذه التجربة الصحفية المتميزة، عُرف مصطفى بن فوضيل
روائيا من خلال "زرطة" (الهروب) التي صدرت سنة 2000، ثم من خلال
"ثرثرات الوحيد" وهي الرواية الضخمة التي نالت جائزة المهرجان الأول
للرواية الجزائرية. ومصطفى بن فوضيل يجيد الكتابة باللغة الفرنسية واللغة العربية.
يزاوج بنجاح بين الكتابة الصحفية والكتابة
الأدبية، كما يزاوج بين الكتابة والقراءة باللغة الفرنسية واللغة العربية، ويرأس
حاليا تحرير العدد الأسبوعي من جريدة "الوطن" الجزائرية الناطقة
بالفرنسية. الذي يجتهد من خلاله على مستوى الشكل والمضمون في التأسيس لصحافة جديدة
تقترب أكثر من هموم القارئ الجديد. اشتغل مراسلا حربيا من بيروت مع حرب جويلية
2006 . وكانت له بعض الإسهامات في الصحافة الجزائرية المكتبوبة باللغة العربية. وقبل
هذه التجربة الصحفية، وأثناءها بقي عدلان مدي المولود بالجزائر العاصمة منتصف
سبعينيات القرن الماضي، وفيا للكتابة الادبية حيث أصدر لأول مرة كتابه "تصلب
تركي"، وتبعه بكتابات أخرى، صدر منها لحد الآن "صلاة الموريسكي"
سنة 2008 .
كغيره مثل الكثير من أبناء جيله، يزاوج
الكاتب يوسف زيرام بين الكتابة الصحفية والكتابة الادبية، وهو الذي تخرج سنة 1987
من معهد البترول. وبعد أكثر من تخرجه وجد نفسه يقتحم تجربة صحفية من خلال الصحافة
المستقلة التي ولدت من رحم أحداث أكتوبر 1988، وتعددت جرابه الصحفية في اكثر من
عنوان في الجزائر قبل أن يسافر في منتصف العشرية الأولى من هذا القرن إلى فرنسا.
وبالتوازي مع تجربته الصحفية بدأ يوسف زيرام تجربة أدبية زاوج فيها بين الشعر
والنثر، حيث أصدر مجموعة "ابن الضباب" الشعرية سنة 1995، لتبعها
بـ"روح صبرينة" القصصية سنة 2002، ثم يجرب الرواية في "الحياة كذبة
كبيرة" سنة 2004، و"طريق الخلود" سنة 2009.
المهدي أشرشور
من أهم الأصوات الأدبية الجزائرية الناطقة
بالفرنسية، ضمن الجيل الذي بدأ الكتابة في أعقاب أحداث الخامس من أكتوبر 1988،
ورغم تلقيه تكوينا باللغة العربية ضمن المدرسة الأساسية إلا أن المهدي ابن مدينة
اكفادو بالقبائل الصغرى اكتشف موهبته في الكتابة الشعرية باللغة الفرنسية، ورغم
ظروفه الصعبة التي عاشها في مدينته الصغيرة إلا أنه أصّر على مواصلة الكتابة وصدر
له ضمن منشورات "البرزخ" عدة مجموعات شعرية، ليتحول بعدها إلى الكتابة
الروائية وهو يقيم حاليا في هولندا، ومن بين مؤلفات المهدي أشرشور الذي ولد سنة
1973 "عين التائه" و"هو. الكتاب" و"الحلاج في الجزائر
العاصمة" وهي المجموعة الشعرية التي اصدرها قبل أن يتحول إلى الكتابة
الروائية.
بدا أن التعدد في الهوية، ساهم كثيرا في
تكوين الشخصية الأدبية للروائي أنور بن مالك. ورغم أنه حاصل على دكتوراه في
الرياضيات إلا أنه يواصل الكتابة الادبية بكثير من التميّز. فهو من أب جزائري من
منطقة عين البيضاء وأم مغربية، وله جدة لامه سويسرية كانت تشتغل في السيرك. عاش في
أوكرانيا زمن الاتحاد السوفياتي، وأنجز الكثير من التحقيقات الصحفية الكبرى لصالح
أسبوعبة "الجزائر الاحداث"، ودرّس في جامعة باب الزوار ليختار الغقامة
منذ تسعينيات القرن الماضي في فرنسا، وأصدر الكثير من الكتابات منها "مواكب
الصبر النافذ"، وهي مجموعة شعرية، إضافة إلى روايات مثل "الموت
البطئ" و"العاشقان المنفصلان" التي ترجمت إلى اللغة العربية.
ينتقل بنجاح بين فن الرسم الكاريكاتوري والكتابة
الصحفية والكتابة الادبية. اشتغل في تسعينيات القرن الماضي رساما كاريكاتوريا في
يومية "لاتريبين"، وكلّفته جرأته الدخول إلى السجن بعد أن أنجز رسما
اُتهم من خلال بالاستهزاء بالعلم الوطني. وواصل الكاريكاتور من خلال عموده الصحفي
اليومي على الصفحة الاخيرة من يومية الوطن بعنوان "نقطة الصفر" الذي
يتناول فيه بأسلوب يقترب من السخرية الادبية الكثير من القضايا السياسية. وشوقي
عماري خريج معهد الجيولوجيا له عدة إصدارات أدبية منها "الطريق الوطني رقم
1"، وهو عبارة عن كتاب يزاوج بين الروبورتاج الصحفي وفن أدب الرحلة وهو خلاصة
رحلات قادت الكاتب على مدن واقعة على هذا الطريق، إضافة إلى أعمال اخرى منها
"حفار الثقوب" و"عين
الصحراء.
ولدت قبيل اندلاع الثورة التحريرية، في بلدة
قصر البخاري عند بوابة الصحراء، وانقلت بعدها غلى مدينة الجزائر ومارست التعليم في
سيدي بلعباس. ومع انطلاق تجربتها الأدبية اختارت لها هذا الاسم الفني بعيدا عن
اسمها الحقيقي على غرار ما حدث مع الكثير من النساء الكتابات في الجزائر. أسست سنة
2001 جمعية "الكتابة والكلمة" وتقاعدت بعد ذلك عن التعليم لكنها لم
تتقاعد عن الكتابة الادبية التي واصلتها بلغة شفافة شعرية، حيث أصدرت الكثير من
الكتب منها "في البداية كان البحر"، عن منشورات المرسى، و"الجزائر
الجديدة" عن منشورات غراسي في فرنسا، "هذه البنت" عن مشورات لوب
الفرنسية سنة 2001 إضافة إلى روايات أخرى صدرت تباعا عن منشورات البرزخ.
عندما اضطر للرحيل عن الجزائر في تسعينيات
القرن الماضي، كان يمني نفسه بالقول: " "إذا كنت قد
غادرت الجزائر، فإنّ الجزائر لم تغادرني البتة".، لكنه رحل بعد ذلك عن
عالمنا وهو في قمة عنفوانه،
إثر معاناة مع المرض. وقبل أن يتخذ له هذا الاسم الادبي، عرف باسمه الأصلي (محمد
بن مبخوت) الذي كانت له تجربة طويلة في الصحافة الوطنية تنقل من خلالها بين مختلف
مكاتب وكالة الانباء الجزائر وبعض الجرائد والدوريات الناطقة باللغة الفرنسية. ومع
هجرته إلى ألمانيا سنة 1997، كانت له انطلاقة جديدة ومتميزة مع اسمه الفني حميد
سكيف حيث نالت كتاباته حظا من المتابعة الإعلامية والنقدية وقاز بعدة جوائز
مهمة.
غادر عالمنا سنة 2005، وهو قمة عطائه الأدبي،
والكاتب المولود بحي الحراش الشعبي سنة 1953، خلّف تجربة متميزة جمعت بين النضال
السياسي والإبداع الفني، حيث عُرف بنضاله ضمن حزب الطليعة الاشتراكية زمن السرية،
لكنه اضطر للانسحاب منه بعد ما لاحظه من "انزلاقات". واختار النضال
الفني والثقافي بديلا عن تجربة النضال السياسي التي وصلت غلى حدودها مع تجربته
المريرة تلك، وفي المنفى الفرنسي واصل كتابته الشعرية والروائية، حيث وصف بأنه
"كاتب ياسين الجزائر الجديدة"، ومن مؤلفاته الروائية "ندير كيما
يدير في البحر العوام"، كما أصدر كتبا أخرى منها "سنوات
الكلاب" و"الجزائر.. الحرب
والمجتمع".
تعليقات