الطاهر بن عيشة |
الآن، وقد تجاوز الشيخ الطاهر بن عيشة سن الثمانين، مازال ذلك المثقف الموسوعي مشاغبا، مثيرا للجدل بآرائه ومواقفه الصريحة من مختلف القضايا، وهو الذي كان قريبا من التيارات اليسارية دون أن ينخرط فيها، وقد اعتبر نفسه ''حزبا قائما بذاته''·
الخير شوار
الطاهر بن عيشة، هو بمثابة ذاكرة للجزائر المعاصرة دون أن يؤلف كتابا واحدا، بل هو كتاب يشبه كتاب ''الرمل'' العجيب الغريب في قصة خورخي لويس بورخيس الشهيرة· مازال يؤمن بالماركسية في جانبها الذي يدافع عن حقوق العمال، وهو الذي التقى المناضل الكولومبي السجين حاليا ''كارلوس'' وكانت له علاقة مع الثائر الأرجنتيني الراحل أرنستو تشي غيفارا الذي كاتبه قبل أن يلقى حتفه هناك في بوليفيا· لم يوثّق كل تلك المعلومات النادرة في مذكرات، وهو الذي يؤكد قائلا: ''كنت شاهدا على مرحلة طويلة بكل ما فيها من تناقضات وكنت مترددا هل أقول الحقيقة أم لا؟'' ذلك التردد الذي حرّم القارئ الجزائري من الاطلاع على جوانب مهمة من تاريخ الحركة الوطنية في كتاب مستقبل· ويظل ''عمي الطاهر'' يكتب ويشير في بعض الأحيان إلى ذلك الجانب المهم في بعض مقالاته التي بدأ ينشرها بانتظام منذ أكثـر من سنة في أسبوعية ''المحقق'' تحت عنوان ''عرفت هؤلاء'' ثم سلسلة ''قرأت لهؤلاء''· ويعترف عمي الطاهر بصعوبة الكتابة في هذا السياق، قائلا: ''التعقيد الموجود في كتابة المذكرات هو التعقيد الموجود في كتابة التاريخ الوطني، لأن القضية هي أن نقول الحقيقة أو لا نقول الحقيقة''، لكنه يحاول التهرب من موضوع الكتابة عن نفسه بتواضع مفاده أن ليس له تاريخ مهم كشخص، لكنه يسترد قائلا: ''كشاهد على الأحداث، لمدة 80 سنة اعتقد بأنها مهمة، كنت شاهدا· وفي هذا الإطار، اعتقد أن هناك أشياء كثيرة يمكن أن تقال، وعلى المؤرخ أن يقول هذه الحقيقة، الحرة مرّة، وتدفع بالإنسان أحيانا إلى الأذى، إذا كتبت أنا، عليّ أن أقول كل شيء وأكتب عن أخطائي ونقائصي بكل شجاعة، يحدث أني ضعفت ويحدث أني أخطأت لكني الآن لست خائفا من قول الحقيقة''، وهي الحقيقة التي بدأنا نقرأها في شكل تلك الشذرات المنشورة في شكل مقالات قد تكون بداية لقراءة جديدة لفترة مهمة من تاريخ الحركة الوطنية·
إنه الشخص المسكون بالجدل والنقاش، إلى درجة أن لقاءه مع الثائر الكولومبي الشهير كارلوس في ليلة باريسية أخذ منه النقاش حول مستقبل النضال معظم الوقت، ذلك اللقاء الذي قال بشأنه إن الفضل فيه يعود إلى مناضلة فرنسية تروتسكية، ويضيف: ''جاءني العفيف الأخضر (شخصية ثقافية تونسية معروفة) من عندها (المناضلة الفرنسية اليسارية)، وكانت متعبة جدا، فذهبت عندها ووجدت هناك كارلوس، ومعاونيه من أمريكا اللاتينية وغيرها، ولما لم نجد المأوى دعينا من امرأة فرنسية، فتناقشت معه أنا والعفيف الأخضر، وكان يعرف شيئا من العربية، وهكذا قضينا معظم تلك الليلة في النقاش''، وعلى ذكر ذلك الثائر الذي اعتقل في السودان سنة ,1994 ويقضي الآن عقوبة السجن المؤبد في فرنسا والذي حارب في فلسطين وتمكن من اختطاف كل وزراء الطاقة في منظمة الأوبيك سنة ,1975 يتأسف كثيرا عمي الطاهر لمآله ويقول: ''لقد دافع كثيرا عن قضايانا، لكننا للأسف الشديد لم نقم بالواجب عندما اعتقلوه، وكان أبسط شيء هو تقويم محامي يدافع عنه''، لكن بن عيشة بقي يتذكره ويدافع عنه بـ ''أضعف الإيمان''، مثلما يدافع عن الخيار الاشتراكي في زمن العولمة ويؤكد أن: ''الاشتراكية هي التي أسست الجامعات في البلد، وقضت على البطالة، ووفرت الكرامة للمواطن، لقد كانت هناك عيوب فعلا، لكن كان يجب أن نعمل على تفاديها، لا أن ننسفها من الأساس، كان هناك احتكار للدولة، هذا صحيح لكن جاء ما هو أسوأ وهو احتكار الثروة من قبل أفراد''· وبقي عمي الطاهر الذي يعد من أقدم الصحافيين في الجزائر، وكان يحرر جريدة ''الثورة العمل'' الصادرة عن النقابة لوحده، بتلك الروح المقاتلة التي لم تمت وهو في هذا السن، ومازال يكتب بنفس العناد في الصحافة، ويؤكد بأنه شخص متطرف فعلا ويؤكد: ''أنا متطرف، أحب بعنف وأكره بعنف، ولا شيء غير العنف، عندي حب مقدس وكره مقدس''، ثم يوضح تلك ''الفلسفة'' التي يعتنقها قائلا: ''بين التطرف والتطرف هناك شيء يسمى ''الانتهازية''، المصالح هي التي تحدد الوجهة مرة يمينا ومرة يسارا، هل تقاوم الخير أم تقاوم الشر؟·· هناك من يقاوم الخير من أجل مصالحهم الشخصية الضيقة، وتلك هي الانتهازية، فعندما لا نكون متطرفين ماذا نكون؟''·
تعليقات