التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رشيد بوجدرة: روائي خارج التصنيف


رشيد بوجدرة الذي طرح اسمه لأكثـر من مرة للفوز بجائزة غونكور للأدب الفرانكفوني، وحتى جائزة نوبل للآداب، يفوز هذه السنة بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته الأخيرة ‘’نزل سان جورج'’، ومن سخرية الأقدار أن الكاتب صاحب الشهرة العالمية الذي فرح بالجائزة اعتبرها أول تكريم له في بلده·


رشيد بوجدرة

الخير شوار
بقي رشيد بوجدرة الذي أصدر روايته الأولى قبل 38 سنة ظاهرة تستعصى على الفهم، وهو الواقف بين العربية والفرانكفونية، وكأنه فعلا في ‘’المنزلة بين المنزلتين'’ بتعبير المعتزلة، بل أن وقوفه في تلك المنزلة، وعدم انخراطه في هذا المعسكر أو ذلك جعله يدفع الثمن غاليا، ولم ينل أي تكريم يستحق الذكر، إلا هذه السنة مع جائزة المكتبيين الجزائريين، السنة التي قرر العودة فيها إلى الكتابة الروائية باللغة العربية وقد بدأها لأول مرة سنة 1982 برواية'’التفكك'’، لموقف حضاري مبدئي، لكنه عاد مكرها إلى الكتابة الفرنسية بعد ‘’تميمون'’ سنة 1995 التي يقول بأنها تجربة مرّة والبلد كان داخلا في ذلك النفق الدموي، وكان يحملها في الحقائب اليدوية من أجل توزيعها، ليضطر إلى العودة إلى الكتابة بالفرنسية بتوقيعه مع إحدى دور النشر الفرنسية عقدا بخمس روايات، والآن يقول بوجدرة أنه تحرر بالفعل من ذلك الالتزام، وأن روايته القادمة ستكتب وتنشر مباشرة باللغة العربية، وقبل هذا كان بوجدرة الذي بدأ تجربته الأدبية شاعرا بمجموعته الشعرية ‘’من أجل إغلاق نوافذ الحلم'’ الصادرة سنة ,1965 قد فجّر قنبلة أدبية بروايته الأولى'’التطليق'’، التي كسّرت كل الطابوهات بتناولها لمسألة زنى المحارم، والاستنطاقات البوليسية، وجعلته بعمل واحد أهم صوت روائي جزائري من جيل ما بعد محمد ديب وكاتب ياسين، لتستمر تلك الظاهرة مع نصوص جريئة أخرى مثل ‘’الرعن'’ و'’طوبوغرافية مثالية لاعتداء موصوف'’، التي كتبت في نفس السياق، لكنه صنع الفارق في روايات متميزة، مثل ‘’الحلزون العنيد'’ و'’ليليات امرأة آرق'’ و'’ألف وعام من الحنين'’ التي جرّب فيها الكتابة على طريقة الواقعية السحرية، واتخذ من تراث ‘’طريق الحرير'’ واكتشاف رأس الرجاء الصالح موضوعا شيقا غير مسبوق في الكتابة الروائية ومن المنامة مدينة أسطورية مثلما كانت ‘’ماكوندو'’ في روايات الكولومبي غبريال غارسا ماركيز، ورواية ‘’ضربة جزاء'’ التي تناولت اغتيال محمد شكال أثناء الثورة التحررية التي كانت بمثابة قصة قابلة للتقطيع السينمائي، وبالمناسبة يقول بوجدرة: ‘’كتابتي الروائية أصلا هي سينمائية، أكتب من منظور ثم من آخر، ثم من آخر وهكذا، أقدم الأمور بنسبية'’، ثم إن لبوجدرة تجربة سينمائية من خلال مشاركته في كتابة سيناريو وحوار فيلم ‘’وقائع سنين الجمر'’ للمخرج محمد لخضر حامينة وهو الفيلم الذي نال السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي سنة 1975 كأول وآخر فيلم جزائري وعربي ينال هذه الجائزة في تاريخها، كما كتب سيناريو فيلم ‘’علي في بلاد السراب'’ للمخرج أحمد راشدي وبعض الأفلام الأخرى، وهو الآن يعكف على كتابة سيناريو يتناول فريق ‘’جبهة التحرير'’ لكرة القدم الذي تشكل من لاعبين محترفين جزائريين في نوادي فرنسية كبيرة لبُّوا نداء الثورة وتخلوا عن امتيازاتهم هناك، ليصنعوا إحدى الملاحم الرياضية في القرن العشرين، والسيناريو ينتظر من يحوله إلى فيلم سينمائي·
ورشيد بوجدرة الذي تناول السياسة من منظور روائي منذ روايته الأولى ‘’التطليق'’، انخرط فيها بشكل مباشر بداية من سنة 1992 عندما خرج عن صمته واتخذ موقفا صريحا من الأحداث المتوالية في ذلك الوقت، عندما تخلى عن منصبه في رئاسة اتحاد الكتاب الجزائريين وأصدر كتابا هجائيا بعنوان ‘’فيس الحقد'’ ليصبح على رأس قائمة المطلوبين من الجماعات الإسلامية المسلحة طيلة عشرية كاملة، وفي هذا يقول: ‘’عندما كتبت فيس الحقد كان مسلسل الإرهاب قد بدأ، وصراحة لم أكن أتوقع ما حدث بالفعل بعد ذلك من دماء وأحداث مأساوية'’، والملاحظ أن بوجدرة المثير للجدل بتكسيره لما يسميه ‘’الثالوث المقدس'’ (الدين والسياسة والجنس)، كسّر طابوهات أخرى لعل أهمها على الإطلاق ثنائية معرب- مفرنس، ويستعيد في هذه الأثناء الحملة التي شنت ضده سنة 1982 عندما بدأ يكتب بالعربية، لكنه لم يركن إلى صف العروبيين بل بقي فنانا متمردا واختار الطريق الأصعب ليواصل مسيرته المتميزة بعيدا عن كل المعسكرات الإيديولوجية الكلاسيكية، ولما كان يكتب مقالا أسبوعيا في يومية ‘’الوطن'’ المفرنسة قبل سنوات، كان يشعر بالحرج لأنه لا يكتب بالتوازي بالعربية في جريدة معربة، وفي هذا الصدد كان يقول ‘’كان بودي أن أكتب بالتوازي بالعربية، ولكني لم أجد منبرا كبيرا، لقد كتبت سابقا في ‘’الثورة الافريقية'’ بالفرنسية، وفي ‘’الوحدة'’ و'’المساء'’ بالعربية، كان هناك توازن، وأنا بودي أن استعيد هذا التوازن'’، لكنه استعاد ذلك التوازن عندما بدأ يكتب عموده الأسبوعي في يومية الجزائر نيوز ‘’في الحياة'’ في انتظار روايته القادمة التي وعد بأن تصدر باللغة العربية·

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة