التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أحمد مهساس: من جبهة التحرير إلى جبهة "غوغل"


أحمد مهساس كان أحد أبرز قادة ثورة التحرير الجزائرية، وهو الذي بدأ نضاله في ثلاثينيات القرن العشرين وجرّب السجن والمنفى، ثم أصبح ضمن طليعة مفجري الثورة. وعاش بعدها "لذة " السلطة ومرارة المنفى وعناد المعارضة، لم يستسلم بعد ذلك ومازال يواصل نضالا من نوع آخر والذي تجاوز الخامسة والثمانين من عمره
أحمد مهساس| صورة: خ. شوار 

الخير شوار*
في عام 1996 وبينما الجزائر تتخبط في أزمتها الدموية، تخلى أحمد مهساس عن حزبه (اتحاد القوى الديمقراطية )، وتفرغ كلية للنضال الثقافي والسياسي بمعناه الأوسع، الذي بدأه مبكرا في ثلاثينيات القرن العشرين، لينتهي الآن إلى "النضال الرقمي " من خلال الموقع الالكتروني الذي يديره.
ومازال مهساس وهو في سن السادسة والثمانين، مهوسا بالنشاط ومتمتعا بالقدرة على مناقشة أعقد القضايا، وهو يدير بيده الهرمة فأرة الكومبيوتر ويبحث عبر محرك "غوغل" عن المواضيع التي تهم نشاطه من أجل الاطلاع عليه حتى يكون متجددا في كل يوم وكل ساعة. فهذا الرجل مسكون بالتاريخ إلى درجة أنه أصبح يفكر من خلاله. ولئن كان الشائع عنه ان اسمه "أحمد محساس "، فهو يتدخل لتصحيح تلك المعلومة ويؤكد أن لقبه "مهساس " وليس "محساس " وهو الذي ينتمي إلى عرش "المهاسيس " قرب بودواو ولاية بومرداس حاليا. ويضيف بشيء من المزحة السوداء أن تزوير التاريخ بدأ من تزوير اسمه وإن كان ذلك غير مقصود، فأحد صانعي تاريخ الجزائر المعاصر لا ينطقون اسمه بشكل صحيح، فكيف السبيل إلى كتابة التاريخ على وجهه الأصح إذن؟، ومهساس الذي بدأ النضال في صفوف حزب الشعب الجزائري في ثلاثينات القرن الماضي واعتقل أكثر من مرة كان من بين المسؤولين البارزين في الحزب إلى درجة تبوئه عضوية اللجنة المركزية، ليساهم بفعالية في تأسيس المنظمة السرية التي أوكلت لها مهمة تفجير الثورة لكن السلطات الاستعمارية اكتشفت أمره واعتقلته سنة 1950 لكن استطاع الفرار من سجن البليدة رفقة أحمد بن بلة بطريقة أكثر من غريبة. وكان في طليعة مفجري الثورة، وأول مسؤول ينشر خلايا للجبهة في الأراضي الفرنسية، وعند الاستقلال كان أول وزير للفلاحة، لكن ومع انقلاب الكولونيل هواري بومدين على أحمد بن بلة، اضطر مهساس لمغادرة البلاد سنة 1966 ليتكون ثقافيا وسياسيا ويحصل في الغربة على درجة الدكتوراه، وظل مسكونا بهاجس النضال ورغبة المساهمة في صناع تاريخ الجزائر المستقلة بعد عودته إلى البلاد سنة 1981 بعد وفاة العقيد هواري بومدين بحوالي سنتين، ولأنه لم يكن راضيا على أداء الطبقة السياسية، فقد سارع إلى تأسيس حزب سياسي وحصل على الاعتماد بعد أحداث أكتوبر 1988 تحت تسمية "اتحاد القوى الديمقراطية"، ذلك الحزب الذي لم ينتشر بالشكل المطلوب وبقي نخبويا إلى أن جاء دستور 1996 الذي طلب من الأحزاب التكيف مع مقتضياته، وهنا تم حل الحزب تلقائيا بعد أن رأى مؤسسه وزعيمه عدم جدوى العمل الحزبي في وضع كانت فيه البلاد تتخبط في دوامتها الدموية، ليتفرغ المناضل أحمد مهساس إلى النضال بمعناه الواسع من خلال نشر الكتب والمساهمة في تنشيط الندوات العلمية وفتح النقاش على الكثير من القضايا، وفي عصر الانترنيت استطاع هذا المناضل القادم من ثلاثينيات القرن العشرين أن يتكيف مع الوضع، ويؤسس له موقعا الكترونيا يتابعه شخصيا من بيته وفي سن السادسة والثمانين، يتجول مهساس بين محركات البحث والمواقع برشاقة شاب في العشرين، وتراه يتحدث عن محركات البحث وعن تقنيات الانترنيت كأنه ابن العصر الرقمي الجديد. فمع مرور السنين مازال مهساس وفيا لنضاله بشكل مهوس وقد انتقل برشاقة من النضال السياسي السري إلى النضال المسلح وصولا إلى النضال على جبهة الانترنيت.

*أنجز هذا البورتري سنة 2009، ونشر في يومية "الجزائر نيوز" وفي مجموعة من المواقع الإلكترونية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة