التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"تاريخ الجزائر الثقافي" متضمن أسماء أشخاصها


الأسماء التي يحملها الأشخاص الجزائريون فيها الثابت وفيها المتغيّر الناتج عن تأثيرات ثقافة كل عصر ومن خلال قراءة معاني الكثير من الأسماء يمكن لنا إعادة تشكيل تاريخ الجزائر بكل تحولاته وتناقضاته، ولئن كانت بعض الأسماء غريبة فعلا فإنها وليدة ظروف تاريخية معينة فلكل اسم حكاية مع أن الكثير من حملة تلك الأسماء يجهلون تاريخها، بل وبعضهم يضطر إلى إخفاء اسمه الحقيقي واستعارة اسم آخر وليد ظروف تاريخية أخرى .

لوحة للفنان الجزائري رشيد قريشي
الخير شوار
مع أن البلاد الجزائرية الواقعة فيما كان يسمى المغرب الأوسط في الأصل منطقة أمازيغية إلا أن الأسماء التي يحملها أهلها في القرون القليلة الماضية كلها تقريبا تحيل على مرجعية عربية قد تكون إسلامية الدلالة وقد تكون وليدة بعض الاعتقادات التي ليست دينية بالضرورة، والملاحظ أنه في الجزائر كما في بلاد المغرب الأخرى هو "ال" التعريف التي يقول بعض الدارسون أنها آتية من الأسماء الأندلسية والكل يعلم الصلة التي تربط هذه البلاد بالأندلس، فالأسماء التقليدية التي كان يحملها الجزائريون سابقا ومازالت متداولة في إطار ضيق بعضها مرتبط بأيام الأسبوع مثل: "الخميسي" نسبة إلى يوم الخميس، و"الجمعي" نسبة إلى يوم الجمعة والسبتي نسبة إلى يوم السبت، وبعضها مرتبط ببعض الشهور والمناسبات مثل "الميلود"، و"مولود"، و"المولدي" نسبة إلى المولد النبوي الشريف، وشعبان ورمضان ورجم نسبة إلى الأشهر القمرية المعروفة مع العلم أن شهر رجب ينطق "رجم" في اللهجة الجزائرية، وهناك أسماء مرتبطة ببعض فصول السنة مثل "الربيعي" نسبة إلى الربيع و"الصيفي" نسبة إلى فصل الصيف، وهناك أسماء تحيل إلى الرسول –ص- مثل "محمد" و"أحمد" وغيرها، ومثل "بلقاسم" (أبو القاسم)، و"المكي" نسبة إلى مكة المكرمة و"المدني" نسبة إلى المدينة المنورة و"التهامي نسبة إلى تهامة في الجزيرة العربية، "القريشي" نسبة إلى قبيلة قريش، و"اليمين" (الأمين)، وبالمقابل هناك أسماء نسائية تحيل مرجعية دينية مثل "يامينة"، التي تحيل إلى آمنة بنت وهب أم الرسول ص، و"عيشة" (عائشة بنت أبو بكر)، و"الزهراء" (فاطمة الزهراء بنت الرسول –ص)، وخديجة (بتسكين الخاء) التي تحيل على خديجة بنت خويلد زوجة الرسول –ص- وهناك أسماء مرتبطة بالعلماء وأولياء الله الصالحين مثل "عبد القادر" و"بوعلام" (حامل الراية) التي تحيل إلى عبد القادر الجيلاني دفين بغداد الذي يحضى بمكانة خاصة جدا في الموروث الشعبي الجزائري، وهناك أسماء مثل عبد الرحمن و"دحمان" المنتشرة خاصة في الجزائر العاصمة الذي يحيل على العالم الفقيه عبد الرحمن الثعالبي دفين العاصمة وأحد رموزها الثقافية، وعلى ذكر العلماء وأولياء الله الصالحين فإن لكل منطقة من مناطق البلاد أولاءها ومنها جاءت أسماء الأشخاص التي تنتشر في منطقة دون غيرها، فمدينة وهران مثلا في الغرب الجزائري معروفة بالولي الصالح "سيدي الهواري"، وكثير من سكانها وسكان المناطق المجاورة يحملون اسم الهواري، ومن أشهر الأولياء الصالحين أبو مدين شعيب دفين مدينة تلمسان الذي مازال الكثير من المعاصرون يحملون اسم بومدين نسبة إليه، بل أن الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين والذي في الأصل كان اسمه "محمد بوخروبة" لما كان مضطرا لاختيار اسم ثوري مستعار أيام حرب التحرير جمع بين ولي وهران وولي تلمسان وأصبح اسمه "هواري بومدين" الذي مازال الكثير من الجزائريين يعتقدون بأن ذلك هو اسمه الأصلي، وهناك بعض الأسماء ذات المدلول التاريخي والديني والمعروفة في سائر العالم العربي والإسلامي المأخوذة من أسماء الأنبياء والعلماء والقادة التاريخيين، وبالمقابل هناك أسماء غريبة لها علاقة بالتطير والمعتقدات الشعبية والتي يستغرب بعض المعاصرين وجودها، فبعض النساء تحمل اسم "الخامسة" وهي الرمز الي يرسم على شكل يد في كفها عين ويحيط بها ثعبان التي كان يعتقد أنها تقي من العين والحسد، والأغرب من ذلك هناك أسماء ذات مدلول قبيح مثل "البخوش" ومعناه حشرة حقيرة (بالنسبة للرجال) و"بخوشة" بالنسبة للنساء، و"المعيوف" (المكروه)، و"الخامج" (الوسخ)، ومبرر تلك الأسماء التي كادت تنقرض الآن هو أن بعض العائلات كانت تخشى من موت أبنائها المولودين حديثا حينها نتيجة للأمراض والأوبئة وحتى المجاعات التي كانت تصاحب الحروب ونتيجة للجهل والأمية كانوا يعتقدون بأنهم عندما يطلقون اسما قبيحا على مولودهم فالموت تزهد فيد وتتركه يعيش إلى ما شاء الله، وبعضهم يسمي ابنه عياش أو العياشي أو العايش وابنته عياشة عندما تكون نسبة الوفايات مرتفعة في المواليد الجدد من أسرته ويريد لمولوده العيش.
كان ذلك في الحقبة التي سبقت استقلال الجزائر من الاستيطان الكولينيالي الفرنسي مع بداية ستينيات القرن العشرين، فمع بداية عصر الحركات التحررية أصبح الكثير من الناس يحمل رمز كل مرحلة فكثير من مواليد الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين يحملون أسماء ناصر أو جمال أو حتى "جمال عبد الناصر" نسبة إلى زعيم ثورة يوليو المصرية وبعضهم يحمل اسم نجيب أو محمد نجيب نسبة إلى أول رئيس مصري بعد ثورة يوليو وهو أمر يدل على الارتباط بالمشرق أيام الثورة التحريرية بل أن هناك اسم غريب لشخص هو "عبد الحكيم عامر" في الجزائر وهناك من يسمى "عبد المنعم رياض" مثل اسم الضابط المصري الحر المعروف الذي قتل في حرب الاستنزاف بعد حرب يوليو حزيران 1967، وهناك من حمل اسم "السادات" أو أنور السادات نسبة إلى الرئيس المصري السابق خاصة مع بروزه في حرب أكتوبر –تشرين الأول 1973، والملاحظ أن الرؤساء المصريين كان لهم حضور قوي خاصة مع المد القومي الذي بدأ ينحسر مع منتصف سبعينات القرن العشرين، ومن الزعماء المعروفين الذين أثروا في الأسماء الجزائرية إلياس سركيس رئيس لبنان في السبعينيات فبعض المولودين في ذلك الوقت يحملون اسم إلياس نسبة إليه، وقبلها حمل البعض اسم محمد الخامس تقديرا للملك المغربي الراحل وبعضهم سمى ابنه "السعودي" نسبة إلى ابن سعود مؤسسة الدولة السعودية الحديثة، وقد أخذ بعض الزعماء التاريخيين في الجزائر حظهم فبعضهم أطلق اسم "الحاج" على ابنه تقديرا للزعيم مصالي الحاج، كما أن "ابن بلة" أخذ حظه من التسميات رغم أنه في الأصل لقب وليس اسم كما انتشر اسم "الشاذلي" في بداية حكم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد رغم أن ذلك الاسم لم يكن منتشرا قبل ذلك، ولما تحمس البعض في المناطق القروية لمشروع السلم المدني الذي جاء به الرئيس الحالي بوتفليقة أطلق اسم عبد العزيز على مولوده الجديد.
وعودة إلى نهاية السبعينيات فقد انتشرت حينها الأسماء المشرقية والمصرية بالخصوص وذلك بتأثير المسلسلات المصرية التي كانت تعرف بـ"مسلسل الساعة السابعة"، وأصبح من خلال ذلك الكثير من المواليد يحملون أسماء: حمادة، هبة، فريال، وحتى مديحة وممدوح وغيرها من الأسماء المعروفة في المشرق العربي ومصر على وجه الخصوص، ولما انتصر الفريق الجزائري لكرة القدم على ألمانيا في كأس العالم 1982 أطلق البعض اسم بلومي (النجم الجزائري حينها) على ابنه، ثم لما انتشر المد الديني في البلاد عاد الناس إلى الأسماء الدينية القديمة التي كان يحملها الصحابة مثل خالد وأسامة ورقية وخديجة وعائشة وغيرها، لكن المد القومي عاد فجأة مع اسم صدّام عندما تعاطف الشارع الجزائري مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حرب الخليج الثانية، لكن سرعان ما عاد المد الديني من جديد معه جاءت أسماء دينية منها ما هو قديم وغريب مثل "حذيفة" وغيره، ثم جاءت موضة أخرى تتعلق بالأسماء المركبة فالبعض يريد إحياء اسم أبيه أو أمه وفي نفس الوقت يريد لوليده اسما عصرا فلجأ إلى اسم شخصي ثنائي يحقق الهدف المزدوج.
موجات الأسماء لم تأت فقط من الشرق بل جاءت كذلك من الغرب لكنها قليلة جدا مثل ليندا ولويزا، وكادت تنتشر أكثر أثناء موجة المسلسلات المكسيكية المدبلجة عندما أراد البعض اسم أنطونيو أو حتى كاساندرا لأبنائه خاصة في المناطق القروية السريعة التأثر، لكن السلطات في تلك المناطق فرضت قاموسا في سجلات الحالة المدنية يمنع بموجبها أي أسم غير موجود في ذلك القاموس ويذلك تم إقصاء الكثير من مشاريع الأسماء التي كاد الشرق يختلط فيها بالغرب، ومازال موضوع أسماء الأشخاص في الجزائر ثريا ويحمل الكثير من القراءات إلى درجة يصلح معها قراءة المجتمع الجزائري وتحولاته الثقافية المتلاحقة من خلال تلك الأسماء.

تعليقات

‏قال david santos
Thanks for posting,

I wish you a good end of 2007 and a good year of 2008.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة