الشاعر بوزيد حرزالله يمينا والشاعر جيلالي نجاري يسارا |
«إقامات الإبداع» فكرة غربية المنشأ، لكنها تجسدت أخيرا في الجزائر بشيء من التأصيل. وعلى دورتين تمت دعوة شعراء وكتّاب عرب في إقامة «خمس نجوم» تدوم عشرة أيام، على أن تكون كل إقامة بين كاتبين أو كاتبتين، وتتوج بكتابة نصوص مشتركة تطبع في كتاب ضخم يؤرخ له... فماذا عن الفكرة، وكيف تبلورت في الجزائر، وهل نجحت؟
الخير شوار
بدأت يوم الأربعاء 5 ديسمبر (كانون الثاني) الحالي، وعلى مدى عشرة أيام الدورة الثانية والأخيرة من برنامج «إقامات الإبداع» بالجزائر، بعد تلك التي نظمتها الجهة نفسها، وهي وزارة الثقافة من يوم 14 إلى يوم 26 أغسطس(آب) الماضي. حيث كان أحد عشرا كاتبا من مختلف الأقطار العربية في ضيافة أحد عشر كاتبا آخر من الجزائر في إقامة «خمس نجوم» على أن تتوج تلك الإقامة بكتابة نصوص أدبية مشتركة، تصدر في كتاب عند نهاية السنة الحالية.
ولئن شارك في الدورة الأولى شعراء وقصاصون من الجنسين، فإن الدورة الثانية تشمل ثلاثين كاتبا من الجزائر والدول العربية المختلفة خاصة بالشعراء فقط. ولهذا الغرض تمت دعوة الشعراء، نمشي مهنا من الكويت، فاديا دلا من الإمارات العربية المتحدة، وعائشة البصري من المغرب، ومحمد عبد السلام منصور من اليمن، وديبي محمد نجيب من تونس، وإدريس علوش من المغرب، وعبد القادر الحصني من سوريا، وطالع إبراهيم حسن الألمعي من المملكة العربية السعودية، وأكواص عبد الدايم من ليبيا، وحمود الراشدي من الكويت وفتحي سعيد العريقي من اليمن وعلي صالح الجلاوي من البحرين وفاطمة الشيبي من سلطنة عمان، وعبد الوهاب الصاوي من مصر وأحمد عبد الحسين وديع من العراق. وهم الآن في ضيافة شعراء من الجزائر مثل عيسى قارف، عبد الوهاب زيد، عبد الرحمن بوزربة، زينب الأعوج، رضا ديداني وعبد الله الهامل وغيرهم.
وفكرة «إقامات الإبداع» وإن كانت غربية المنشأ، وقيل بأنها ظهرت لأول مرة في اميركا اللاتينية، ثم انتشرت في بعض الدول الأوروبية تحت تسميات مختلفة إلا أن منظميها في الجزائر يقولون بأنهم عملوا على تأصيلها في الثقافة العربية. وهي غير مسبوقة في الجزائر وفي العالم العربي مثلما أكد الشاعر جيلالي نجاري، «منسق» هذه الاقامات الذي بدأ حديثه لـ «الشرق الأوسط» بالتذكير بأن: «الجزائر نصّ مفتوح... نصّ متخم بالمحبّة والتسامح... من هذه العتبة وجبت كتابته وتوثيقه بحروف الإخاء والصداقة والتألق... الجزائر نص إنساني خالص يتوخّى المساهمة الإيجابية والفعالة لشعراء الجزائر والوطن العربي في التأسيس لفضيلة الكتابة ومتعة المشاركة في الإبداع...». ويؤكد نجاري على خصوصية هذه التجربة وفرادتها، حيث انه في التجارب الغربية يستضاف كتّاب لمدة تصل إلى أشهر أو عام كامل مقابل أن يكتب كل واحد منهم نصه الخاص. أما في هذه التجربة فالإقامة مشتركة بين كاتبين والنص المكتوب يكون مشتركا وفيه نوع من الحميمية المعروفة في الثقافة العربية. ثم أن تجربة من هذا القبيل من شأنها أن تنمي علاقة بين كاتبين عربيين وتربط علاقات بين الشعراء العرب أنفسهم، وهو الهدف الأسمى من تلك الإقامات. وقد تم توفير كل الإمكانات المادية من أجل راحة الشعراء طيلة أيام الإقامة على أن يكون الشعراء أنفسهم أحرارا في كتابة النص الذي يشاءون في الموضوع الذي يشاءون. وتتوج كل تلك التجارب في إصدار ورقي يؤرخ له في نهاية تظاهرة «الجزائر عاصمة للثقافة العربية» الذي تنظم في إطاره هذه «الإقامات».
وبخصوص نشوء الفكرة وتبلورها يقول الشاعر بوزيد حرز الله، وهو محافظ إقامات الإبداع لـ «الشرق الأوسط»، ان الفكرة فكرته في الأساس وقد اقترحها على وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي التي رحبت بها على الفور، ومن الجلسة الأولى والتزمت بتوفير الجانب المادي، على أن توفر محافظة الإقامات الجوانب الأخرى من المشروع. لكن الاقامات تلك التي أكد منظموها والكتّاب الذين حضروها على نجاحها، قوبلت بانتقاد من بعض الشعراء الآخرين بسبب مقاييس الاختيار التي يرونها غير مقنعة. وفي هذا الصدد يقول محافظ إقامات الإبداع، ان الشعراء كثر و«إرضاء الناس غاية لا تدرك».
والمهم هو اختيار مجموعة جيدة من الشعراء تمثل المشهد في مختلف حساسياته. وبالمقابل يقول: «حاسبونا إن نحن دعونا شاعرا لا يستحق الحضور». وبخصوص الدورة الأولى لهذه «الإقامات» التي شارك فيها اثنان وعشرون كاتبا من الجزائر ومختلف الأقطار العربية، منهم سناء عون، فاطمة بريهوم، لقمان ديركي، ميلود خيزار، ليلى السيد، عفاف فنوح، محمد مظلوم، ميلود حكيم، منال الشيخ، وطه عدنان وغيرهم، أكد الكتّاب المشاركون في ختامها على أهميتها. وقال بشأنها الشاعر الجزائري ميلود حكيم، بأنها فرصة أتاحت للكتّاب العرب الاحتكاك بنظرائهم من الجزائر ومن شأنها أن تنمي ثقافة الانفتاح على الآخر. أما الشاعرة العراقية منال الشيخ فقالت بأن الإقامة أتاحت لها فرصة التعرف على الشاعرة الجزائرية منيرة سعدة خلخال رفيقتها طيلة عشرة أيام، في حين أن منيرة سعدة خلخال قالت بأنها إقامة إبداعية لعشرة أيام كأنها العمر كله.
فكرة الإقامات الإبداعية وإن كانت غربية المنشأ أتيح لها، لأول مرة أن ترى النور في بلد عربي، بشيء من التأصيل في إطار الثقافة العربية وخصوصية العلاقة بين الشعراء العرب. وما كان لها ذلك لولا توفر السيولة المالية المخصصة لتظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية التي تشارف على الانتهاء. ويرجو الشعراء، الذين شاركوا في تلك الاقامات وحتى الذين لم يشاركوا، أن تصبح تقليدا دائما وليس حادثاً طارئاً وليد مناسبة معينة.
تعليقات