التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أرقام وكلمات

يقول البلاغيون إنه «لا يجوز» كتابة أرقام داخل نص أدبي، بمعنى أن الأرقام لو وجدت وجبت كتابته بـ»لسان القلم» بتعبير لغة البنوك والمراكز البريدية. وتستمر جدلية الأرقام والحروف إلى ما لانهاية.


الخير شوار
ولعل أطرف ما يجمع بين الحروف والأرقام، تلك الطريقة التي كان يختم بها شعراء «عصر الانحطاط» نصوصهم، فقد كتب شاعر اسمه الدنجلاوي بيته: « فقلت لمن يقول الشعر أقصــر- لقد أرختُ: مات الشعر بعده»، حيث أن كل رقم من العبارة الأخيرة، يقابله رقم معروف وعند جمعه في النهاية نحصل على السنة التي توفي فيها الشخص الذي رثاه الدنجلاوي. والأطرف من تلك العبارة هي عبارة «في المشمش» التي سارت مثلا في الثقافة المصرية إلى غاية أيامنا هذه، وهي تعود إلى عصر المماليك وتؤرخ لوفاة السلطان برقوق، فكان البعض يسال: متى توفي السلطان برقوق؟ فيجيبه «العارف» بعبارة «في المشمش» التي عند ترجمة كل حرف إلى الرقم الذي يقابله نحصل على السنة المطلوبة. لكنها تحولت بعد ذلك إلى «مسخرة» تدل على التعجيز وطلب المستحيل.

وتتواص جدلية الأرقام والحروف في عصرنا هذا بأشكال أخرى، لا تخلو من الاشمئزاز، فكثيرا ما تحدد الصحف والمجلّات وحتى دور نشر الكتب حجما معينا من الكلمات، تتعامل به فيخال من ليس له خبرة بالأمر أنه بصدد «بيع البطاطا» أو»الطماطم» في السوق، فأن تطلب من كاتب نصا في حدود 700 كلمة أو أكثر أو أقل فأنت تغامر بـ»سمعتك» ومكانتك عنده، فقد يبدو مطلّعا على الأمر فيريحك، وقد يتجاهل الأمر ويبعث لك مقالا في 4 آلاف كلمة مثلا وساعتها تجد نفسك في ورطة حقيقية، مخيّرا بين أن تنشر جزء يسيرا من النص مع إخلال واضح بمعناه أو تحاول نشره على حلقات إن استطعت إلى ذلك سبيلا أو تعتذر منه وقد يتسبب ذلك في قطيعة معه. ويحدث أن تطلب الرقم المطلوب فيقول إن ظنه خاب فيك وأنك تحوّلت من كاتب إلى بقّال أو خضّار. وفي كل الحالات فإن ثنائية الأرقام والكلمات تتواصل بأشكال مختلفة، ومعها تتجدد جدلية أن كان الأدب إبداعا أم مجرد «سلعة».       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة