التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحبيب السائح: عاشق في بلاد الأولياء

الحبيب السايح

قبل صدور روايته الجديدة "المذنبون"، التي صدرت بالفعل في المدة الأخيرة، بدأ الروائي الحبيب السائح في تجربته سردية جديدة ينتظر أن تقوده إلى مدينة أدرار (1500 كلم جنوب غرب الجزائر) لإتمامها مثلما حدث له في تجاربه الروائية السابقة، فابن سهل غريس الذي نشأ في سعيدة يعيش قصة "عشق" عنيفة مع مدينة سيدي محمد بن لكبير منذ أن اكتشفها في العشرية الماضية.

الخير شوار 
ليس غريبا أن يغرم ابن سهل غريس (موطن الأمير عبد القادر الجزائري)، بالمدينة التي ارتبطت بالمتصوف سيدي امحمد بن لكبير، فمنذ أن وطأت قدما لحبيب مدينة أدرار سنة 1994، حتى ارتبط معها بقصة حب أحدثت تحولا عميقا في تجربته الكتابية، أنجبت كتابة مختلفة تماما، يمكن أن تقرأ فيها عمق الصحراء وصمتها المخيف، وقسوتها أيضا، تلك التجربة التي بدأت إرهاصاتها مع "ذاك الحنين" التي كتبت بلغة خاصة جدا، ثم برزت أكثر في "تماسخت"، ثم "تلك المحبة" وهو السفر الكبير الذي كان بمثابة قصيدة عشق ملحمية لتلك المدينة التي يقول عنها: "لي مع مدينة أدرار قصة عشق، لا تختلف عن قصة الشيخ بن لكبير معها، فأنا أكن ليس فقط التقدير وإنما الحنين العميق والدائم لتلك المدينة المحبة والحاضنة".
والحبيب السائح المحسوب على جيل السبعينيات الأدبي، وصلت تجربته الأولى مداها مع "زمن النمرود"، وهي الرواية الأولى التي كتبها بعد تجارب متنوعة في القصة القصيرة، لكن فرحته بالرواية الأولى الجريئة والواقعية حد تطابق بعض أحداثها وشخوصها مع اليومي، لم تدم طويلا، وتحولت إلى محنة مع مصادرتها، لأن بعض المسؤولين المحليين وجد صورته فيها سافرة مفضوحة، وقد استعاد تلك التجربة القاسية في أحد حواراته قائلا: "كتبت لما يسمى جماهير وكانت خيبتي فظيعة يوم تنكرت لي تلك الجماهير لأن الآلة السياسية الأحادية، عند صدور رواية 'زمن النمرود' في عام 1985، هيّجتها ضدي فكان عليّ أن أهجر مدينتي مدة قبل أن أعود إليها مكللا بتاج 'الفضيحة'؛ لأن 'زمن النمرود' صارت عورة للغتها الجريئة التي وضعتُها بالعربي الفصيح ثم أنزلتها إلى التركيب الدارج وليس إلى الدارجة".
لكن الحبيب استثمر تلك التجربة القاسية، وحدث تحول يكاد يكون جذريا في طريقة كتابته ونظرته للعملية الإبداعية، وسرعان ما تفردت تجربته في الكتابة، وخرج عن "الإجماع السبيعيني" المناضلاتي، وفي هذا السياق سبق له وأن قال بمنتهى الصراحة: "إن كان هناك من ذنب اقترفته في حق الجيل السبعيني فهو اعتزالي لغته وذوقه حتى قبل وقوع انهيار مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية؛ لأني أدركت أن الكتابة هي الذات؛ أي الفرد في مقابل الجماعة. أنا الآن بعافية الفرد لأني استرددت حواسي الفردية".
وقد تغيّرت لغته بالفعل ليس فقط في مجمل تجاربه الروائية اللاحقة، وإنما من رواية إلى أخرى، وفي حين تكتم بشكل كل على المشروع الروائي الجديد الذي يعكف على كتابته منذ حوالي الشهرين، وسوف يقوده حتما إلى بلد بن لكبير من أجل التفرغ له، وإخراجه بلغة جديدة، فقد تكلم عن "المذنبون" لكن بطريقته الخاصة، فهو يقول عنه إنه يتراوح بين تجربتي "ذاك الحنين" و"تماسخت" لكنه يراه بالمقابل أقرب إلى تماسخت منه إلى ذاك الحنين، التي كتبت بقاموس غير القاموس الذي نعرف.
وعن علاقته بالمتلقي فهو مطمئن من هذا الجانب، ويقول: "لي مشروع كتابة"، ثم يضيف "أنا لا أكتب لأحكي، أنا أكتب لأؤسس لمشروع كتابة، قد أحققه وقد لا أحققه"، لكنه على يقين بأن ما يكتبه سيكون له أثر في الرواية الجزائرية المعاصرة، فما إن ينتهي من تجربة كتابية حتى ينخرط في أخرى جدية كل الجدة، لغة وأسلوبا وموضوعا، ويؤكد: "أنا أنجز في كل مرة نصا جديدا، ليس بمعنى الجدة على مستوى المضمون وإنما على مستوى التشكيل، فكل رواية تختلف عن الأخرى، لذلك أن مقلّ في الكتابة وأنجز نصا في كل أربع سنين تقريبا، وهو الأمر الذي حدث معي مع "المذنبون" التي أخذت مني أربع سنوات كاملة، فحين أباشر الكتابة أعمد قدر المستطاع على إحداث القطيعة مع كتاباتي السابقة ومع كتابات الآخرين".
وبعد بداية مشروع الكتابة الجديد في مدينة سعيدة ينتظر أن يأخذ النص صاحبه مرة أخرى إلى مدينة أدرار التي أنجز فيها كل نصوص قطيعته مع الكتابة السبعينية.. تلك المدينة التي دخلها أول مرة سنة 1994 وأنتج فيها أولا "ذاك الحنين" ثم توالت النصوص "الأدرارية"، فقد وقع في غرامها من الزيارة الأولى وينتظر إن يذهب إليها قريبا لأن «النص الجديد الذي أشتغل عليه يدعوني إلى هناك".
والحبيب السائح الذي يعيش بين سعيدة التي احتضنته صغيرا، وأدرار التي احتضنته كبيرا، أشبه ما يكون بالساعي بين الصفا والمروة، وفي أدرار يجلس كما يجلس المتصوفة هناك، وهو على اعتقاد لا يتزعزع، بأن قارئه، يسكن هناك في جهة المستقبل.

تعليقات

‏قال saminkie
لا اعرف الحبيب السائح لكنني احب ان أكون سائح في مدونتك الجميلة. شكرا على هذا المجهود. سامي من العراق.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة