البيت الذي احتضن اجتماع ليلة اول نوفمبر 1954 |
يتبلور في الجزائر اتجاه سينمائي، يعيد أحداث ثورة نوفمبر(تشرين الثاني) 1954 بطريقة غير مسبوقة. فلأول مرة يتم تجسيد قادة الثورة، ويأمل بعض المتتبعين أن يستمر هذا الاتجاه ويكون بمثابة «حصان طروادة» من أجل إعادة كتابة تاريخ الثورة الذي ما زال يكتنفه الكثير من نقاط الظل.
الخير شوار
قال المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة إنه يحضّر لفيلم سينمائي ضخم يتناول مسيرة المناضل الكبير أحمد زبانة، أحد قادة ثورة نوفمبر (تشرين الثاني) الذي أعدمته قوات الاحتلال الفرنسي يوم 19 يونيو (حزيران) 1956 بالمقصلة بعد حكم أصدرته المحكمة العسكرية. ومن المنتظر أن يشارك في الفيلم نجوم من السينما الجزائرية مثل سيد أحمد أقومي وسيد علي كويرات الذي شارك في بعض أفلام الراحل يوسف شاهين، عن نص لعز الدين ميهوبي الشاعر الذي عرف بنصوص مسرحية شعرية تناولت شخصيات الثورة الجزائرية على غرار أحمد زبانة نفسه ورفيقه العربي بن مهيدي. وحسب ميهوبي، فإن النص كان جاهزا منذ عام 2004، لكن تجسيده سينمائيا تأخر بسبب نقص الدعم المادي.
ويأتي هذا الفيلم بعد ضجة أحدثها فيلم «أسد الأوراس» الذي أعاد سيرة أحد أبرز قادة الثورة وهو مصطفى بن بولعيد، أخرجه أحمد راشدي تلميذ المخرج اليساري الفرنسي الكبير روني فوتيه، وسبق له أن أنجز أكثر من فيلم تناول جوانب من الثورة الجزائرية بدءا بفيلمه «فجر المعذبين» ثم «الأفيون والعصا» نهاية ستينات القرن العشرين، إلى «الطاحونة» و«كانت الحرب»، إضافة إلى مسلسل «السيلان» (السلك الشائك) الذي يذّكر بالأسلاك الشائكة المكهربة التي كانت تفصل الجزائر عن تونس والمغرب الأقصى من أجل تطويق الثورة. والفيلم جسد لأول مرة شخصيات قيادية للثورة، على غرار مصطفى بن بولعيد وديدوش مراد، خاصة مصالي الحاج الذي كان له موقف سلبي من جبهة التحرير الجزائرية لأسباب كان يراها موضوعية واتهم بالخيانة، وبقي اسمه ممنوعا من التداول الرسمي حتى السنين الأخيرة عندما أعيد له الاعتبار. ومن الانتقادات التي وجهها بعض النقاد لفيلم «أسد الأوراس» نزعته «التعليمية» وافتقاره للجرأة الفنية، لكن مؤلف نصه، الصادق بخوش، قال إنه اعتمد على مئات الكتب التي تناولت تلك الفترة، وأن الفيلم «كان موضوعيا وخاليا من الأحكام، رغم تصويره العديد من مواقف سياسيي الثورة ككريم بلقاسم وبيطاط وبوضياف». والأسماء المذكورة إضافة إلى أسماء أخرى ستعود في فيلم «أحمد زبانة» المنتظر، ولا تزال تثير نقاشا واسعا وصل إلى المحاكم. وعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على الثورة، فإنه لا يزال كثيرون يتحدثون عن ضرورة صدور قرار سياسي بكتابة تاريخها، لأن العديد من وثائقها بقيت طي الكتمان. والسينما الجزائرية التي نشأت من رحم الثورة سنة 1957 مع المخرج الفرنسي روني فوتيه عندما التحق بصفوف الثورة الجزائرية، ركزت سنين طويلة على الأحداث، ولم تتناول إلا شخصيات بسيطة مع انتشار فكرة أن «الشعب» هو زعيم الثورة. وكانت وسيلة ذكية للهروب من فخاخ وقائع قد تثير فتنة. وعندما أنجز منتصف الثمانينات فيلم «بوعمامة» ذهب من أنجزه إلى تاريخ سابق للثورة وإلى الانتفاضات الشعبية للقرن التاسع عشر.
ويأتي التوجه السينمائي الجديد في سياق تاريخي خاص، فقبل فترة قصيرة أثير نقاش داخل البرلمان حول عدد شهداء الثورة. نائب، هو نجل أحد أبرز قادة الثورة، شكك في العدد الشهير (مليون ونصف مليون شهيد)، وأعطى رقما أقل منه بكثير، وبعدها جاء تعديل الدستور ليبعد التاريخ عن الجدل السياسي، ويؤمل أن يكون التوجه السينمائي الجديد بمثابة فرصة لإعادة كتابة تاريخ الثورة الجزائرية بإسقاط الكثير من التابوهات، وهذا ما يذهب إليه الروائي والسيناريست الجزائري عيسى شريط، لـ«الشرق الأوسط»، عندما أكد «أن السينما هي أحسن وسيلة لكتابة التاريخ، وبإمكانها فتح ممرات بلغة تجمع بين الحقيقة التاريخية والمجاز الفني بدون ضجيج» ويضيف: «لكن الكرة في ملعب السياسي الذي بقرار منه قد يدفع الأمور في الاتجاه الذي يخدم الفن والحقيقة التاريخية في الوقت نفسه».
تعليقات