التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لويزة حنون: بين تروتسكي وشجرة الدر

لويزة حنون
قَدَرُ لويزة حنون مع شهر أفريل لا ينتهي،  فهذه المرأة التي تحترف السياسة في مجتمع تكاد تكون السياسة فيه حكرا على الرجال، سيكون لها امتحان يوم التاسع من الشهر المقبل، مثلما كان لها موعد معه يوم الثامن منه قبل خمس سنوات وقبل التاسع والثامن، جاءت إلى الدنيا لتطلق أولى صرخاتها من أعالي منطقة الشقفة بولاية جيجل·


الخير شوار
جاءت لويزة إلى الدنيا ستة أشهر قبل اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر ,1954 ولم يكن محيطها في تلك المنطقة التي تحاصرها الجبال من كل جانب، وشهدت أشرس المعارك أثناء الثورة التحريرية، ينتظر أن تلك الطفلة الوليدة ستنافس الرجال وتكون أول امرأة في تاريخ الجزائر تطلب كرسي رئاسة البلاد وتتنافس من أجله، لكن قبل الوصول إلى تلك المرحلة خاضت الطفلة ثم الشابة والمرأة الناضجة لويزة أشرس المعارك وزاحمت معارضي الحكم من الرجال زنازن السجون، وانتظرت لحظة الخامس من أكتوبر 1988 لتبرز إلى الحياة العامة، بعد وقت طويل من ممارسة السياسة في كنف السرية تحت راية ''المنظمة الاشتراكية للعمال'' بمرجعيتها التروتسكية (أقصى اليسار)، وعند لحظة التحول من زمن النضال السري إلى زمن النضال العلني، لم تكن الشابة الثلاثينية لويزة حينها التي لم تنل السجون من عزيمتها تلعب دور المتفرج، بل كانت من الفاعلين في تلك الأحداث حيث ألقت قوات الأمن القبض عليها ثم أخلت سبيلها بعد ثلاثة أيام من ذلك· ومع دستور الثالث والعشرين من فيفري 1989 الذي فتح المجال للتعددية الحزبية، تظهر تلك الشابة النحيلة بتسريحتها البسيطة على شاشة التلفزيون كأول امرأة تتزعم حزبا سياسيا في تاريخ الجزائر المستقلة، وكان ذلك سنة 1990 وكان اسم الحزب حينها ''المنظمة الاشتراكية للعمال''، وكان خطابها السائد حينها قبيل سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي السابق مليئا بالمصطلحات النضالية اليسارية، مع التركيز على أنها تحارب ''الدكتاتورية'' و''الرجعية'' و''الستالينية''، وكان الشارع حينها تحت سيطرة ''طوفان'' الفيس الذي اكتسح كل شيء، ولم يترك أي شيء لباقي الأحزاب يمينا ويسارا ووسطا، وكان عموم الناس عندما يرون تلك المرأة الثلاثينية ترافع من أجل الاشتراكية والقطاع العام، وكأنها تسير ضد تيار لحظة التاريخ التي كانت تشهد سقوطا دراماتيكيا للشيوعية والقطاع العام والخطاب اليساري عموما، ولا يتصورون أنفسهم يولون أمرهم امرأة مهما كانت عبقريتها· لكن المناضلة الشرسة لويزة التي لم تكن تؤمن بالمستحيل، سرعان ما تحولت إلى نجمة ومحبوبة مناضلي الفيس أنفسهم عندما استغلت المستجدات السياسية المتسارعة وغيّرت تسمية الحزب إلى ''حزب العمال'' وتتخلى عن ''اليسار الضيق'' إلى ''اليسار الأوسع''، بل وكانت خير محامٍ للفيس المحظور التي كانت ظاهرة اجتماعية أكثر منها حزب سياسي، فمع بداية النفق الذي بدأ يدخله هذا الحزب بدخوله في إضراب سياسي وأحداث جوان ,1991 كانت لويزة حنون من أشرس المدافعين عن حق ''الفيس'' في الوجود إلى أن سادت في أوساط الناس مقولة منسوبة للشيخ علي بن حاج مفادها أن لويزة حنون هي ''الرجل الوحيد في المشهد السياسي الجزائري'' حينها، ومهما كانت صحة تلك المقولة من عدمها، فإن لويزة حنون استطاعت التقدم أكثر وتسجيل الكثير من النقاط في مسيرتها السياسية الطويلة، وقد سجلت المزيد من النقاط مع إلغاء المسار الانتخابي ودخول البلد في النفق الدموي لتنضم إلى معسكر ''المصالحة الوطنية'' وما عرف بـ ''جماعة سانت إيجيديو''، وكان ذلك أقصى ما وصلت إليه لويزة في مشاكستها للسلطة، فبداية من سنة 1997 تختار نهج المشاركة من بوابة البرلمان عندما دخلته لأول مرة رفقة ثلاثة من مناضلي حزب العمال، ولم يكن فوزها بتلك المقاعد مجرد حادث عارض، بل تمكنت مع انتخابات 2002 من تشكيل كتلة برلمانية لحزبها، وأصبحت من القوى الأساسية في المشهد السياسي الجزائري، وتزداد شهيتها أكثر مع دخولها حلبة المنافسين على كرسي الرئاسة، ومع ثاني سباق لها في هذا المضمار وإدراكها بحدود اللعبة، فإن عينها على المستقبل وهي أكثر إصرارا على اعتلاء كرسي المرادية في السنين القادمة·

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة