عشر سنوات كاملة هي المدة الفاصلة بين روايتي
"حروف الضباب" في صيغتها الأولى وتجربتي الجديدة "ثقوب زرقاء"
في صيغتها شبه النهائية.
الخير شوار
مدة طويلة ولا شك، نشرت خلالها "حروف الضباب"
في طبعتين، كما نشرت مجموعة قصصية بعنوان "مات العشق بعده"وإصدارات أخرى
تتراوح بين الأدب والصحافة، في تجربة اخترت فيها الإبقاء على الخيط الرفيع الذي يربطني
بعالم الأدب في مغامرة صحفية أصفها بالعنيفة، حتى لا تتسبب "صاحبة الجلالة"
كما تسمى، في تجفيف منابعي الأدبية.
ومع أن هذه التجربة الجديدة أدبية، إلا أنها مدينة
للعمل الصحفي الذي أعطاني عينا جديدة على واقع سريالي لم أكن أدرك وجوده، وبالمناسبة
أذكر أني أنجزت روبورتاجا سنة 2006 يتناول تفاصيل مقبرة العالية حيث الأحياء يعيشون
وسط قبور الموتى، ويوميات حفاري القبور وذكرياتهم و"كتابة التاريخ" من خلال
عيونهم، فقال لي القاص والروائي والأكاديمي السعيد بوطاجين بعد نشره إنه عالم روائي
متكامل لا يحتاج إلا إلى التفاصيل والاشتغال على الشخصيات الموجودة على أرض الواقع.
كانت الشرارة الأولى للانطلاق في هذه التجربة السردية
عندما التحقت للاشتغال بيومية "الجزائر نيوز" في قسم الروبورتاجات نهاية
2005، وكان أول عمل لي في إطار ملف يتناول البيوت التي يقال إنها مسكونة من قبل الجن،
فتنقلت إلى بعض البنايات المشهورة بهذا التوصيف، ومنها بقايا قصر مهجور على شاطئ البحر
في منطقة الطاحونتين قرب حي بولوغين بالجزائر العاصمة.
اكتشفت مكانا غريبا وقال لي بعض الشباب الذين التقيتهم
هناك إنهم وجدوا قبل أيام جثة لرجل غريب بدا من خلال شكله أنه أحد المشردين المجانين،
ساعتها تصورت احتمالات لذلك الشخص الهالك، وبدأت الخيوط الأولى للحكاية الروائية تتشكل
في ذهني وشرعت على الفور في كتابة أولى سطورها، واضطررت للتوقف عن كتابة تجربة أخرى
كانت متقدمة بشكل جيد وهي "ألواح الريح" التي أنوي العودة إليها لاحقا.
كانت الفكرة مجنونة وتبدو مستعصية على الإنجاز والبطل
الذي اخترته فاقد للذاكرة وأنا المعروف بين زملائي بذاكرتي القوية التي يبدو أنها انعكست
على النص الروائي الأول "حروف الضباب" الذي تشعب في ثنايا التاريخ والجغرافيا
والأسطورة وامتد إلى مئات السنين مع أن صفحاته قليلة.
ويبدو أن التحدي الأول كان بدافع هذه المسألة وكانت
الكتابة تتقدم ببطء شديد، ونما التصور العام في ذهني مع مرور الوقت، لكن الكتابة توقفت
بشكل مفاجئ بعد صفحات قليلة وكأني كنت أنتظر لحظة أخرى مشابهة لتلك التي فجّرت الفكرة
وأقصد بها لحظة القصر المهجور في منطقة الطاحونتين غرب مدينة الجزائر.
وطال الأمر أكثر مما يجب وبقي المشروع مفتوحا سنوات
عديدة إلى غاية سنة 2011 على ما أذكر عندما شرعت في تجربة صحفية جديدة تتعلق بقضايا
المحاكم فذهبت يوما إلى مجلس قضاء الجزائر بحي العناصر، وهناك حكى لي أحد المحامين
قصة جريمة قتل بشعة وقعت عند بقايا مشروع سكني لم يكتمل لوكالة عدل قرب الرايس حميدو
عندما قتل أحدهم الذي اضطر للسكن هناك أحد الغرباء بقضيب حديدي وترك الكلاب تنهش جثة
القتيل، فكتبت الحكاية كما رواها لي على صفحات الجريدة، وما لم أكن أتوقعه أن القصة
تلك تتكيف في جزء صغير منها مع السياق العام للمشروع الروائي المهجور الذي عدت إلى
كتابته من جديد والذي فرغت منه ربيع 2012 وينتظر أن ينشر قريبا.
ربما كان الأمر من فضائل العمل الصحفي على الكتابة
الروائية مع أن المتعارف عليه أن الصحافة تقتل الأديب فينا، وهي جدلية الصحافة والأدب
التي تجسدت من جديد في هذه التجربة.
تعليقات
لم أعرفك أديبا ولم أحظ بقراءة رواياتك وكذا المجموعات القصصية التي أصدرتها، لكني لمست في كتاباتك الصحفية في جريدة "الجزائر نيوز" أنك (مسكون بعفريت الكلام).
بوعلام