التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أدباء شهداء.. التأسيس الذي يتكرر


رضا حوحو 

مولود فرعون 
بختي بن عودة 
إنه الأدب الذي لم يولد بشكل طبيعي واستمر كذلك تكتنفه القطائع داخل التجربة الواحدة مع انقطاع بعضها بشكل مفاجئ أو قطائع خارجية، حيث لم يحدث تراكم طبيعي وفي كل مرة يبدأ جيل من نقطة الصفر.

الخير شوار
 يوم 29 مارس 1962، أعلن عن اغتيال محافظ الشرطة الفرنسية بمدينة قسنطينة الجزائرية، فشرعت سلطات الاحتلال آنذاك في اعتقال مجموعة من المشتبه فيهم، منهم أحمد رضا حوحو الذي اقتيد إلى سجن الكدية الشهير عند الجبل على مشارف المدينة وهناك نفذّوا يه حكم الإعدام. وانتظرت جثته سنين بعد ذلك ليكشف عنها بعيد الاستقلال عندما عُثر على مقابر جماعية منها جثة حوحو التي أعيد دفنها بمقبرة الشهداء. ولم يكن القتيل شخصا عاديا، فهو المؤسس الفعلي للأدب الجزائري المكتوب بالعربية، ويعتبر رائد القصة القصيرة، حيث نشر مجموعته القصصية «صاحبة الوحي» سنة 1955، وصاحب المحاولة الجادة في كتابة الرواية ونشر في هذا الشأن قصته الطويلة «غادة أم القرى» سنة 1947 ، قبل أن ينضج هذا الفن على يدي الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة بداية سبعينيات القرن الماضي.
ولم يكن مصير رائد الادب الجزائري المكتوب بالفرنسية أحسن من مصير رائد الادب المكتوب بالعربية، ففي آخر عهد الاحتلال وقبل أربعة أيام فقط من إعلان وقف إطلاق النار بين جيش التحرير وسلطات الاحتلال يوم 19 مارس 1962 بموجب «اتفاقيات إيفيان»، سقط الروائي الجزائري مولود فرعون قتيلا برصاص عصابات منظمة الجيش السري الفرنسية الشهير اختصارا بـOAS   التي تأسست خصيصا من أجل إفساد الاتفاق، ففي يوم 15 مارس 1962 اقتحمت مجموعة من تلك الجماعة مقر عمل مولود فرعون بالجزائر العاصمة وأطلقوا عليه النار رفقة بعض زملائه، وكان بالفعل شهيد الأيام الأخيرة من الاحتلال، ملتحقا بزميله الذي كان يكتب بالعربية أحمد رضا حوحو الذي استشهد قبله بست سنوات وهو الذي كان يكبره بثلاث سنين (ولد حوحو سنة 1913، وولد فرعون سنة 1910).
لقد شكّل الأدباء الشهداء ظاهرة في تاريخ الجزائر، منهم الشاعر عبد لكريم العقون الذي ألقي عليه القبض سنة 1959 وعذّب أشد العذاب ولقي حتفه على يد جنود الاحتلال يوم 15 مارس آذار 1959، والكاتب الحبيب بناسي الذي أستشهد أثناء معركة بين جيش التحرير الجزائري وجيش الاحتلال الفرنسي سنة 1956 وقيل إنه مات حرقا، والشاعر الربيع بوشامة الذي أعدمته سلطات الاحتلال بدون محاكمة يوم 13 ماي 1959، والكتاب محمد الامين العمودي الذي اغتالته سلطات الاحتلال سنة 1957.
ولم تكن ظاهرة الأدباء الشهداء حكرا على سنين الثورة التحريرية بل كانت ذلك واستمرت إلى ما بعد الاستقلال وشهدت عشرية التسعينيات من القرن الماضي ظاهرة مشابهة كانت حصيلتها الكثير من الشهداء منهم الروائي الطاهر جاووت الذي كان يكتب بالفرنسية وأصدر الكثير بعض الأعمال بين شعر ورواية وقصة قصيرة قبل أن يغتال يوم 2 جوان 1993، والشاعر المفكر بختي بن عودة الذي اغتالته اغتيل يوم 22 ماي 1995.
إنه التأسيس الذي يتكرر في كل مرة وكأن هذه التجربة الادبية تدور في حلقة مغلقة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة