لا
يمكن أن ننسى أن الفن الروائي الحديث نشأ عندما ابتعد «جدنا» سرفانتس عن مغامرات الفرسان
الخرافية وكتب عن خيابات فارس فاشل هو «دون كيشوت»، وربما أراد بذلك إنزال فن
القصص الملحمي إلى الواقع اليومي المكبل بالفشل.
الخير
شوار
ولئن
كانت مغامرة «دون كيشوت» هزلية مضحكة فإن مغامرة كاتبها لم تكن كذلك وهو الذي سلك
طريقا غير مسبوق بكل مخاطره وأسّس في النهاية لهذا الفن الذي استولى على ألباب
الناس وأصبح «ديوان الأمم جميعا»، بمن فيهم العرب الذين لم يعرفوا «ديوانا» في
السابق غير الشعر.
والمفارقة
أن الرواية وبعد تطورها وتحولها إلى أشهر فن أدبي، وبقدر ما اقتربت من حياة الإنسان
العادي، بقدر ما ابتعدت عن ذائقته الفنية وهذه هي المفارقة التي تدعو إلى التأمل،
فكأن «الإنسان العادي» كره واقعه الذي يعرفه إلى درجة تجعله يتماهى مع أبطال
خرافيين ولا يريد من أحد أن يذّكره بمأساته التي يعيشها بشكل مكرر في كل يوم.
ورغم
شهرة هذا الفن إلا أن طرق كتابته لا يمكن أن تحصى، فهي فن «السهل الممتنع» التي
تجعل كل «مواطن» يعتقد أنه يمكن امتطاؤه، وقد تحول إلى «فن مستباح» على رأي بعض
النقاد تطمح لكتابته «كل فئات الشعب»، لكن مشاريع الكتابة تلك تبقى مؤجلة إلى درجة
تفنى معها الأعمار ويبقى الحلم معلقا، لكن بعضها يجد طريقه إلى التنفيذ ولا نعتقد
بعدها ما هو الخط الفاصل بين السيرة الذاتية وبين الخيال الروائي، ونذكر هنا مقولة
طريقة مفادها أن الناس عندنا «يكتبون روايات (خيالية) عند الحديث عن سيرهم
الذاتية، ويكتبون سيرا حقيقية عندما يتكلمون عن الفن الروائي».
ولا
يتوقف الامر عن هذا الحد من تحول «المواطنين العاديين» إلى روائيين، بل أن كثيرا
منهم تحولوا بقدرة قادرة إلى «نقّاد» يرفع بعضهم من يشاء ويخفض من يشاء بدون أدوات
علمية ولا حتى لغوية وقد أصبحت صفحات الفيسبوك تعج بهذا الصنف من «النّقاد» الذين
تحولوا إلى مليشيات حقيقية، تتقاتل من أجل «انزاع» لقب «روائي» الذي أسال لعاب
الكثير من الطامحين والطامعين.
تعليقات