التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«دون كيشوت» في الفايسبوك



لا يمكن أن ننسى أن الفن الروائي الحديث نشأ عندما ابتعد «جدنا» سرفانتس عن مغامرات الفرسان الخرافية وكتب عن خيابات فارس فاشل هو «دون كيشوت»، وربما أراد بذلك إنزال فن القصص الملحمي إلى الواقع اليومي المكبل بالفشل.

الخير شوار
ولئن كانت مغامرة «دون كيشوت» هزلية مضحكة فإن مغامرة كاتبها لم تكن كذلك وهو الذي سلك طريقا غير مسبوق بكل مخاطره وأسّس في النهاية لهذا الفن الذي استولى على ألباب الناس وأصبح «ديوان الأمم جميعا»، بمن فيهم العرب الذين لم يعرفوا «ديوانا» في السابق غير الشعر.  
والمفارقة أن الرواية وبعد تطورها وتحولها إلى أشهر فن أدبي، وبقدر ما اقتربت من حياة الإنسان العادي، بقدر ما ابتعدت عن ذائقته الفنية وهذه هي المفارقة التي تدعو إلى التأمل، فكأن «الإنسان العادي» كره واقعه الذي يعرفه إلى درجة تجعله يتماهى مع أبطال خرافيين ولا يريد من أحد أن يذّكره بمأساته التي يعيشها بشكل مكرر في كل يوم.
ورغم شهرة هذا الفن إلا أن طرق كتابته لا يمكن أن تحصى، فهي فن «السهل الممتنع» التي تجعل كل «مواطن» يعتقد أنه يمكن امتطاؤه، وقد تحول إلى «فن مستباح» على رأي بعض النقاد تطمح لكتابته «كل فئات الشعب»، لكن مشاريع الكتابة تلك تبقى مؤجلة إلى درجة تفنى معها الأعمار ويبقى الحلم معلقا، لكن بعضها يجد طريقه إلى التنفيذ ولا نعتقد بعدها ما هو الخط الفاصل بين السيرة الذاتية وبين الخيال الروائي، ونذكر هنا مقولة طريقة مفادها أن الناس عندنا «يكتبون روايات (خيالية) عند الحديث عن سيرهم الذاتية، ويكتبون سيرا حقيقية عندما يتكلمون عن الفن الروائي».
ولا يتوقف الامر عن هذا الحد من تحول «المواطنين العاديين» إلى روائيين، بل أن كثيرا منهم تحولوا بقدرة قادرة إلى «نقّاد» يرفع بعضهم من يشاء ويخفض من يشاء بدون أدوات علمية ولا حتى لغوية وقد أصبحت صفحات الفيسبوك تعج بهذا الصنف من «النّقاد» الذين تحولوا إلى مليشيات حقيقية، تتقاتل من أجل «انزاع» لقب «روائي» الذي أسال لعاب الكثير من الطامحين والطامعين. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة