التخطي إلى المحتوى الرئيسي

''ثلوج سيبيريا'' تغطي الجزائر العاصمة


                                

 ''ثلج في الجزائر العاصمة''، لم تعد العبارة مثيرة والأمر يتكرر مع موجة البرد الشديد التي قيل بأنها قادمة من سيبيريا·· كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة صباحا، وكنا نسابق المطر الذي ينزل غزيرا وسط العاصمة وهو يهدد الثلوج المتراكمة بالذوبان، لكن البرد الشديد يدخل العظام ولا يكاد الواحد يحافظ على استقامة أصابع يديه. وفي شارع كريم بلقاسم (تليملي) تتهاطل الأمطار بشكل أغزر ولا تكاد ترى الثلج الذي كان متجمعا في الصباح إلا في بعض أطراف الشوارع.
وفي الطريق إلى الأبيار انطلاقا من تليملي، بدا أن الثلج تغلب على المطر، وعاد يسقط بقوة إلى درجة أن الأرضية تحولت إلى اللون الأبيض، وعند الاقتراب أكثر من حي الأبيار حيث نرتفع أكثر على مستوى سطح البحر، تزداد كثافة الثلوج إلى درجة أن الرؤية تصبح أقل وضوحا من ذي قبل، وعند مدخل شارع أحمد بوقرة، بوسط الأبيار، تغلّب الثلج بالفعل على الأمطار حيث الأرضية كانت مغطاة بشكل كامل وبسمك متفاوت من منطقة إلى أخرى، ورغم ذلك لم تتوقف حركة المارة من الناس في السيارات ومشيا على الأقدام، وكان الكل يرتدي ملابس شتوية ''صارمة'' ويحمل المطرية التي تقي قليلا من الثلج لكنها سرعان ما تثقل وهي تجمع الثلوج ليعاد نفضها في كل مرة، وبعض الذين أجبرتهم الظروف على العمل وسط الثلج اضطروا لارتداء ملابس خاصة تقي من المطر ومن الثلج، مثل ذلك العامل في محطة البنزين الذي كان يرتدي ملابس صفراء واقية من المطر، وذلك الشرطي الذي كان ينظّم حركة المرور وكان بدوره يرتدي ملابس واقية لكن باللون الأبيض.
وفي شاطوناف حيث الارتفاع أكثر، كان الثلج أكثر كثافة، دون أن يمنع ذلك من حركة المرور التي تستمر بشكل طبيعي مع احتياط استثنائي يتمثل في ارتداء ملابس واقية أكثر من البرد، لكن المطريات التي كان يحملها البعض بدا أنها لم تكن تفي بالغرض وهي التي تصبح عبئا على حالها حيث تثقل بسرعة وهي مملوءة بالثلج ويضطر صاحبها لنفضها في كل مرة.
وبالتوازي مع تساقط الثلج، كان مشهد آخر يتشكل، إنه ذاك الذي يمثل شباب يلعبون بكرات الثلج حيث يرمي كل واحد بالكرة الصغيرة على الآخر في مشهد استثنائي بالجزائر العاصمة، وعندما ينزل المصور لالتقاط مشاهد أكثر تعبيرا عن الظاهرة، يلتف حوله الشباب وبعضهم يضربه بالثلج والآخر يسأله عن وظيفته وعندما يعرف بأنه مصور صحفي يصبح المشهد أكثر احتفالية والكل يهتف ويرمي بكرات الثلج في كل الاتجاهات.
ويحافظ مدخل حي بوزريعة، بأعالي العاصمة على برودته شتاء وعلى زحمة المرور فيه في كل الحالات حتى مع تساقط الثلوج بشكل كثيف، وعلى عكس المتوقع كان الثلج متوقفا عن السقوط لكنه يملأ الأرصفة وأعالي البنايات والسيارات المتوقفة التي لا يكاد بعضها يُرى إلا بصعوبة، وبدا أن ثلوجا كثيرة سقطت في هذه المنطقة قبل أن تتوقف حيث أن أصحاب بعض المحلات كانوا ينظّفون مداخل محلاتهم لكنهم بالمقابل يرمون بالثلج إلى الأرصفة. وفي قلب حي بوزريعة حيث الساحة المركزية استمر الصمت الذي يعقب سقوط الثلج، لكن الشباب المتجمعين ظلوا يمارسون هوايتهم وهم يتصدون الفتيات الجميلات وكل واحد يضرب فتاة لا يعرفها حتى يلفت انتباهها لكن عموم الفتيات لا يبالين بما يحدث. ويستمر اليوم الثلجي الاستثنائي في أعالي بوزريعة والجرافات تعمل على إزالة الثلج من الطريق حتى تعود الحركة كما كانت وتشارك جرافات الأمن الوطني التي كانت تستخدم في إزالة المتاريس في إزالة كثبان الثلج التي تملأ الطريق.
روبورتاج: الخير شوار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة