التخطي إلى المحتوى الرئيسي

النخبة الجزائرية.. ذلك الفراغ الهائل



يرى الباحث السوسيولوجي الجزائري عبد الناصر جابي، أن النخبة الجزائرية أن الطبقات الاجتماعية الجزائرية الوسطى / أكثر الفئات الوسطى أنانية في العالم، يريدون نمط معيشة والاستحواذ على مناصب عمل على حساب المبادئ التي يفترض أنهم يدافعون عنها/. إنها المأساة التي تتكرر في التاريخ بشكل دراماتيكي في كل مرة، وتجعل النخب وليدة تلك الطبقات غائبة عن المحطات الكبرى، وربما أهمها الثورة التحريرية التي تحول فيها المثقفون من دور الفاعل إلى دور المفعول. وهو الواقع الذي جعل السؤال يتكرر على مدار تاريخنا، إن كنا نمتلك فعلا نخبة مثقفة ترتقي إلى درجة الانتلجانسيا المؤثرة أم مجرد مجموعات متناثرة من المثقفين يتأثرون بالأحداث ولا يؤثرون فيها. واستمرت المأساة بأشكال مختلفة ولم يحدث التراكم الكمي المطلوب من أجل التحول من هذا الوضع إلى وضع أحسن، ولعل أبرز أسباب المأساة المتكررة ما قاله الباحث عبد الناصر جابي من أن هناك حالات متكررة في التاريخ /تمت في عمليات إفراغ الجزائر من مثقفيها ومتعلميها، في 1830 هاجر جزء كبير من المثقفين من تجار وقضاة ومتعلمين مع الاحتلال، هاجروا إلى تونس وإلى المغرب وإلى الشام، والأمر نفسه تكرر مع بداية تسعينيات القرن الماضي، حصل الشيء نفسه، فمجرد بدء الأحداث تمت عملية إفراغ الجزائر من نخبها وتمت هجرة كبيرة جدا بالآلاف من مثقفين وجامعيين وأطباء وتركوا الشعب وحده. في كل مرة لا يتحمّل المثقف مسؤوليته/. وهو تأكيد آخر على حالة الجبن والانانية التي تسيطر على ممثلي هذه الطبقة التي بقيت خارج العملية التاريخية تراوحت شعارتها بين لعب دور الضحية والبكائية مع حالة التشرذم الدائمة.
وتصلت المأساة مداها، حيث تتحول إلى ملهاة حقيقية، فعندما تجد الطبقات الشعبية البسيطة نفسها محرومة من أي تأطير حقيقي وتتأخذ زمام المبادرة في لحظات تاريخية معينة، فإن النخبة عندنا التي تتفاجأ بالأمر الذي يتجاوزها، تجد نفسها في موقع العدو للمبادرة الشعبية، حيث تصفها بالغوغائية والهمجية والتخلف، تماما مثلما حدث مع موجة الربيع العربي، وعندما تشعر السلطات بالخطر، تحاول أن تتجاوز الامر وتضطر للبحث عن ممثلي النخب فلا تكاد تعثر عليها وهي التي ساهمت في تشتيت وتشريد بعض ممثليها في أوقات متفاوتة، وربما هو هذا السبب في أن اللقاءات التشاورية التي بادرت بها السلطة شملت بعض الاشخاص المحسوبين عن النخبة الأدبية والفكرية والسياسية، لكنها كائنات كأنها خرجت من كهوف التاريخ، وتحول الامر إلى مسخرة، وسياسات تجفيف منابع إنتاج النخب، قد تنزلق الامور إلى الهمجية والعودة إلى عصور ما قبل الدولة وربما عصور ما قبل التاريخ.
الخير شوار    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير...

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز...

بوزريعة أعلى ارتفاع بالعاصمة :طريق بارد إلى الثلج

ثلج في الجزائر العاصمة  كان ذلك يوم الجمعة، قبيل أن تغطي الثلوج مدينة الجزائر، كانت أولى بشائر الثلج وقد بدأت من أعالي بوزيعة. الخير شوار ''إنه البرد''، يقول الجميع بصيغ مختلفة، البرد الذي لا يتكرر كثيرا في مدينة الجزائر المتوسطية التي تحافظ دائما على الحد الأدنى من دفئها في عز الشتاء· درجة الحرارة تنزل إلى ما دون العاشرة، فيتزاحم الغرباء في المطاعم الشعبية، حيث تتزايد الطلبات على صحون ''اللوبيا الحارّة''· لكن البرد في وسط العاصمة ليس كمثل الذي في أطرافها أو عند أعاليها، حيث تنخفض الحرارة كلما اتجهت إلى الأعلى· تشعر بذلك عندما تصل إلى حي الأبيار، حيث يزداد تساقط البَرَد (بفتح الراء) الذي يسمى محليا ''التبروري''، ويقول السائق بشيء من الخوف وشيء من التعجب، إن السيارة لا يكاد يتحكم فيها، فهي تنزلق من شدة تساقط ''التبروري'' الذي يعرقل سيرها، ومع ذلك يتجه بصعوبة نحو أعالي بوزريعة· ويقترب الوقت من منتصف النهار، حيث تقل حركة السيارات تزامنا مع اقتراب صلاة الجمعة، لكن الجو يستمر في البرودة، حيث تنخفض درجة الحر...