التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الطاهر وطار.. لقد مرت سنة


الطاهر وطار
اختلف الناس في وصفه، من أحد الآباء المؤسسين للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، والتي انتظرت سبعينات القرن الماضي، لتظهر ناضجة على يده وعلى يد معاصره عبد الحميد بن هدوقة الذي رحل عن عالمنا قبل نهاية القرن الماضي، إلى وصف البعض له بـ"العرّاب" بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، فلم يكن الطاهر وطار مجرد روائي أو كاتب، بل كانت ظاهرة إنسانية واجتماعية وحتى سياسية نادرة في المشهد الجزائري. وزيادة على أنه كان من الآباء المؤسسين للرواية الجزائرية وهو أكثر الأدباء الجزائريين شهرة في المشرق العربي، وظل إلى غاية أيام حياته الأخيرة يملأ الساحة الإعلامية جدلا وصخبا بآرائه السياسية ومعاركه التي لم تكن تنتهي لذلك كان غيابه لافتا من الصعب استيعابه لمدة طويلة ربما.
وأذكر انه عندما بلغ السبعين من العمر، كان يفكر في الموت بقوة، لكن مخاوفه تلك لم يكن يصدّقها مقربوه الذين ظلوا من كثرة حضوره الطاغي في الثقافة والسياسة لا يصورون  بدوه، وحتى عندما غاب بشكل مفاجئ عندما استضافت الجاحظية الوائي المصري علاء الأسطواني سنة 2008، لم يصدق الكل ان الغياب سيتواصل، وقد دخل مستشفى مصطفى باشا، ثم انتقل إلى باريس وبقي من هنا حاضرا في غيابه وغائبا في حضوره ويحصل على تسير الجمعية بالهاتف والفاكس ويمضي على الإعلانات والدعوات إلى الندوات والنشاطات المتعددة ويشرف على كل كبيرة وصغيرة.
كان أكثر الأدباء المكرسين تواصلا مع الأجيال الجديدة سواء عن طريق وسائل التواصل الحديثة التي تفاعل معها دوما وكان من أكثر الناس إتقانا للمعلوماتية رغم تقدمه النسبي في الزمن، أو عن طريق المشاكسة المتبادلة معهم في إطار الجاحظية وحتى خارجها. وكان بالفعل ظاهرة ثقافية اجتماعية مركبة من الصعب تجاوزها في جزائر تعاني من تهلهل في مشهدها الثقافي.
لقد مرت سن إذن على غياب وطار، سنة كبيسة بكل المعاني، لم يكن خلالها الاب المؤسس الذي بقي على تواصل مع مختلف الاجيال، ناشطا وفاعلا ومشاكسا، لكنه كان ظله حاضرا في الصراعات على إرث جمعية الجاحظية التي كانت وما تزال المرادف الفعلي له رغم الغياب.
  الخير شوار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير...

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز...

بوزريعة أعلى ارتفاع بالعاصمة :طريق بارد إلى الثلج

ثلج في الجزائر العاصمة  كان ذلك يوم الجمعة، قبيل أن تغطي الثلوج مدينة الجزائر، كانت أولى بشائر الثلج وقد بدأت من أعالي بوزيعة. الخير شوار ''إنه البرد''، يقول الجميع بصيغ مختلفة، البرد الذي لا يتكرر كثيرا في مدينة الجزائر المتوسطية التي تحافظ دائما على الحد الأدنى من دفئها في عز الشتاء· درجة الحرارة تنزل إلى ما دون العاشرة، فيتزاحم الغرباء في المطاعم الشعبية، حيث تتزايد الطلبات على صحون ''اللوبيا الحارّة''· لكن البرد في وسط العاصمة ليس كمثل الذي في أطرافها أو عند أعاليها، حيث تنخفض الحرارة كلما اتجهت إلى الأعلى· تشعر بذلك عندما تصل إلى حي الأبيار، حيث يزداد تساقط البَرَد (بفتح الراء) الذي يسمى محليا ''التبروري''، ويقول السائق بشيء من الخوف وشيء من التعجب، إن السيارة لا يكاد يتحكم فيها، فهي تنزلق من شدة تساقط ''التبروري'' الذي يعرقل سيرها، ومع ذلك يتجه بصعوبة نحو أعالي بوزريعة· ويقترب الوقت من منتصف النهار، حيث تقل حركة السيارات تزامنا مع اقتراب صلاة الجمعة، لكن الجو يستمر في البرودة، حيث تنخفض درجة الحر...