التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل المنتجون الجزائريون جاهزون لفتح السمعي البصري؟




 
عندما أقدم وزير الثقافة والاتصال، نهاية تسعينيات القرن الماضي، على حل المؤسسات السمعية البصرية الممثلة في الوكالة الوطنية للأحداث المصورة، والمؤسسة الوطنية للإنتاج السمعي البصري ومؤسسة الإنتاج السينمائي، كان المبرر هو القضاء على تلك الأطر التي حوّلت إلى مؤسسات بيروقراطية فاشلة من أجل خلق أطر بديلة، واستبشر أهل القطاع في ذلك الوقت خيرا لتلك الخطوة، لكن وعوض أن يتقدم القطاع أكثر، أصيب بشلل شبه كامل، ولم يتوصل المختصون والمسؤولون إلى أي صيغة بديلة، وبقي الإنتاج السمعي البصري يقتات من الصناديق الخاصة، في غياب أي إطار قانوني بديل، والنتيجة هي وضع كارثي بكل المقاييس· ويأتي الشلل في وقت تسارعت فيه الأحداث وأصبحت الفجوة كبيرة جدا مقارنة بأقرب الجيران· المنتجون الخواص يؤكدون بأنهم رهائن زبون واحد، وهو التلفزيون العمومي الذي يشتري إنتاجهم إن شاء مسؤولوه دون أي سند قانوني يحميهم، وبعض المسؤولين عن التلفزيون يؤكدون بأن تلفزيونا واحدا لا يمكن أن يحل مشكلة معقدة من هذا النوع، هي تراكم مشاكل القطاع لسنين طويلة· والحل؟ يجمع الكل على ضرورة فتح القطاع السمعي البصري، ولئن أجمعوا على أن الأمر في حاجة إلى قرار سياسي، إلا أنهم يختلفون في كيفية الحل، البعض يؤكد على ضرورة فتح المجال للخواص، والبعض الآخر يقول بضرورة الاستفادة من تجربة الإذاعة التي تعددت كثيرا من المحطات الجهوية والمحلية، والكلمة للمتخصصين .
هل القطاع السمعي البصري في حاجة الآن إلى قرار سياسي، يكون بمثابة الحل السحري لمشاكله المتراكمة منذ سنين طويلة، أم أن الأمر أعقد من ذلك، وما هي مشاكله بالضبط، هنا نظرة من مخرج وأخرى من باحث أكاديمي يحاولان الاقتراب من المشكلة بمختلف أبعادها· 

بن عمر بختي (مخرج): 

لابديل عن فتح نقاش حول السمعي البصري

يرى المخرج التلفزيوني والسينمائي بن عمر بختي أنه لا بديل عن فتح مجال السمعي البصري للنقاش، من أجل خلق استراتيجية نتجاوز بها الفجوة الموجودة في هذا المجال، مقارنة بالدول المغاربية·

هل فتح القطاع السمعي البصري أمام المستثمرين الخواص في الوقت الحالي ضروري؟ 
يجب فتح الوسائط الإعلامية كلها، بما فيها الصحافة المكتوبة والتلفزيون والراديو، من أجل خلق نقاش اجتماعي وسياسي في كل الميادين، وهذا الأمر سيعطي دفعا جديدا للمحترفين في هذا الميدان، وحتى للجمهور الذي سيستغل آراء المنتجين في كل ميدان· كما أن السمعي البصري ليس بمعزل عن الثقافة بوجه عام، وأنا أرى أن للصحافة دور كبير في هذا المجال من أجل انفتاح ثقافي أكثر، وكل طرف يجب أن تكون له آراء في هذا المجال من أجل فتح نقاش حقيقي، وفي هذا الصدد أنا متتبع جيد للتلفزيونات الدولية والمغاربية، وعلينا الاستفادة من تلك التجارب·

لنبقى في التلفزيونات المغاربية، الأقرب إلى محيطنا·· كيف يمكن أن تقارن بيننا وبين تلك التجارب المغاربية (تونس والمغرب نموذجا)؟ 
لدينا تأخر كبير في هذا المجال، حتى مقارنة بالتجارب المغاربية القريبة، ولنأخذ التجربة المغربية على سبيل المثال، وبدون مبالغة لهم حوالي 400 مهرجان سنوي، مهرجانات في الموسيقي والمسرح والسينما والشباب، وحتى نرى وجه المقارنة هناك مثلا مهرجان تطوان ومهرجان مراكش الذي له سمعة عالمية، ومهرجان أصيلة ومهرجان أغادير ومهرجان خريبقة، إضافة إلى اللقاءات الكثيرة الأخرى، أما نحن فلم ننظم إلا مهرجانا عربيا واحدا للسينما في وهران·

وفيما يخص القنوات التلفزيونية؟ 
الأمر نفسه، أنا أتابع البرنامج التلفزيوني لتونس وللمغرب، وأعتقد أن هناك فرقا كبيرا بيننا وبينهم·

لديهم تلفزيون عمومي، مثلما لدينا نحن·· أين الخلل بالضبط في رأيك؟ 
الخلل يكمن في انعدام سياسة سمعية بصرية في بلادنا، فلماذا نظمنا النقاش في علاقة المنتجين بالتلفزيون؟، لأنه لا توجد شفافية في هذه العلاقة، ولا يوجد اتصال بين الجانبين، وبالخصوص المشكلة الأخيرة، فلتقم بتجربة أنت، لا تتقدم كصحفي وإنما تقدم إليهم كمنتج، لن تحصل على جواب بالمرة، وأنا كمنتج لم أحصل على أي جواب حول مشاريعي·

عندما تطرح الإشكال على المسؤولين، يقولون إن الإمكانيات متوفرة، فأين الخلل بالضبط؟ 
نحن كمنتجين عندما نتكلم مع المسؤولين، يقولون لنا إن الإمكانيات غير موجودة، وسوف أذهب معك بعيدا في هذا المجال، سأتحفّظ على ذكر اسم الشخص الذي كان وزيرا للثقافة، وطرحت عليه مشكلة انعدام المال المخصص للانتاج السمعي البصري، وحينها اقترح عليّ مع زملائي المنتجين إنشاء جمعية مهمتها الاتصال بوزير المالية من أجل الضغط عليه، حتى يمنح الميزانية اللازمة لما نريد، فما هو دور وزير الثقافة في هذا المجال إذا كان يكتفي بتوجيهك إلى وزير المالية؟ أليس دوره الدفاع عن برنامجه واستراتيجيته في خدمة القطاع الثقافي؟ هذا مثال صغير على المشاكل الكثيرة والمعقدة المطروحة في هذا المجال·
  
عاشور فني (باحث في اقتصاديات الإعلام المرئي والمسموع):

مشكل السمعي البصري في الجزائر جزء من أزمة أعمق

يؤكد عاشور فني، الأستاذ الجامعي والباحث في اقتصاديات الإعلام المرئي والمسموع، أن مشكلة السمعي البصري، ما هي إلا جزء من مشكلة أعمق تتعلق بغياب الأطر القانونية المنظمة للقطاع، ويرى ضرورة قرار سياسي لانفتاح سمعي بصري يستفيد من تجربة الإذاعة في هذا المجال·

وضع السمعي البصري في الجزائر كارثي مقارنة مع أقرب جيراننا المغاربيين، لماذا في رأيك؟ 
السمعي البصري في الجزائر يتطلب نشاطا ثقافيا حثيثا، ظهر في المسرح ثم في السينما ولاحقا مع المنتجات التلفزيونية مع تطور دور الدولة الثقافي في الجزائر، وكان دائما يرتكز إلى الدور القوي للدولة الجزائرية وإلى التمويل العمومي، وفي نفس الوقت كان الاستهلاك الثقافي المتجه نحو القطاع السمعي البصري، استهلاكا جماعيا، في قاعات السينما وقاعات الحفلات، ويتمثل أيضا في مشاهدة التلفزيون، والمشاهدة هنا تتطلب إنتاجات من المنتجين·

هل المشكلة تكمن في غياب الأطر والتشريعات المنظمة للقطاع؟ 
منذ بداية التسعينيات إلى حد ما، بدأت المؤسسة العمومية تتخلى عن تمويل الإنتاج السمعي البصري، نظرا للصعوبات المالية التي لاقتها المؤسسات العمومية، والإدارة العليا للإنتاج السمعي البصري في الجزائر، كما أنه في بداية التسعينيات كانت هناك التلفزة العمومية من ناحية، وكانت هناك المؤسسة العمومية للإنتاج السمعي البصري، ووكالة الأحداث المصورة ومركز الإنتاج السينمائي·· كل تلك المؤسسات كانت قائمة على التخصص، ولكن للأسف فإن المنتجين والمخرجين والفنانين الذين كانوا يديرون هذه المؤسسات، سمحوا بظهور تضارب في دور المؤسسات المختلفة، والنتيجة هي أنه عند حل هذه المؤسسات في نهاية التسعينيات، بقي الإنتاج السمعي البصري في الجزائر دون سند لا عمومي ولا خاص، لأنه لم يتم تطويره·

لكن الدولة عاودت تمويل الإنتاج السمعي البصري في السنوات الأخيرة؟
 هذا التمويل ليس منتظما، فهو يتم عن طريق الصناديق الخاصة، في السابق كانت هناك مؤسسة يتم تسييرها، لها ميزانية وعمال وكفاءات، وهناك سياسة للتوظيف والتكوين، وليكن في علمك، فإنه لا يوجد تكوين للسمعي البصري في الجزائر، أقصد تكوين المخرجين وكتّاب السيناريو والمهن العليا في المجال السمعي البصري، فالمشكل الذي يعيشه المجال السمعي البصري ما هو إلا مظهر لأزمة أعمق، فنحن لا نرى إلا جزءا·

أين تكمن المشكلة الأكبر في هذا المجال؟ 
المشكلة الكبرى هي غياب استراتيجية في السمعي البصري، فالدولة عندما انسحبت من المجال السمعي البصري، لم تسمح لأي جهة أخرى، ولم تؤهل أي جهة أخرى للقيام بهذا العمل، وهو ما خلق فراغا كبيرا في هذا المجال·

لنقارن بين المسموع والسمعي البصري، هناك تجارب ناجحة في الإذاعات المحلية المتعددة، لماذا لم يستفد التلفزيون من نجاح الإذاعة في هذا الجانب؟ 
هذه مسألة توجه استراتيجي، ففي المجال الإذاعي، سمح بوجود محطات جهوية ومحلية تهتم بالأنشطة المحلية الرسمية وغير الرسمية، وبالإنتاج الثقافي المحلي، بالاهتمام مثلا بالموسيقى المحلية لكل منطقة، وسمح هذا للمستمعين بالانتقال من المحطات المركزية والعالمية، إلى الاستماع إلى المحطات المحلية، فكل ما انتقل اهتمام وسائل الإعلام إلى ما هو محلي، اكتسب جمهورا أكبر، أما فيما يخص التلفزيون فهو ينتظر قرارا سياسيا للاستفادة من تلك التجربة الناجحة· 

 الخير شوار 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة