التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«حلم لم يتحقق» يعرض في الجزائر.. أول فيلم عن «قوارب الموت» يفتح الجرح فنياً

مشهد من فيلم "حلم لم يتحقق"



وصفت سنة 2007 المنقضية في الجزائر بـ«سنة الحرّاقة» (تنطق القاف جيما مصرية)، فلا يكاد يوم ينقضي دون أن تتكلم الصحف المحلية عن أخبار راكبي البحر ضمن ما تسمى «قوارب الموت»، والآن وبعد استفحال تلك الظاهرة الاجتماعية و«تجذّرها»، وصلت إلى السينما بعد إنتاج أول فيلم يتناول «الحراقة» صراحة، وهو فيلم «حلم لم يتحقق» للمخرج الشاب أحسن تواتي.

الخير شوار
فيلم «حلم لم يتحقق» قصته بسيطة، هي حكاية خمسة شبان وفتاة، يحاولون الهجرة غير الشرعية بعد أن ضاقت بهم السبل في بلدهم، لكن محاولتهم التي انطلقت من مرفأ الجزائر العاصمة تبوء بالفشل، ويتم القبض عليهم، ويودعون السجن، وفي الوقت الذي تنقضي فيه عقوبتهم، كان ينتظر منهم «التوبة» عن المغامرة، لكنهم يعاودون الالتقاء، ويحاولون المغامرة مجددا، لتنتهي أحداث الفيلم مفتوحة على كل الاحتمالات. فقد ينجح المغامرون في عبور البحر المتوسط، وقد يغرقون فيه، كما قد يلقى عليهم القبض، ويجربون السجن مرة ثانية. تلك هي خلاصة الفيلم القصير الذي أخرجه أحسن تواتي، وقد عرض أخيرا في قاعات السينما، وسوف يعرض في الثاني عشر من فبراير (شباط) الحالي ضمن ملتقى متخصص ينشطه باحثون في العلوم الإنسانية. وهو موضوع الملتقى الذي يعقد في هذا التاريخ بـ«المكتبة الوطنية الجزائرية».
فيلم «حلم لم يتحقق» وإن لم يكن الأول في مسيرة المخرج الشاب أحسن تواتي، فهو الأكثر جرأة واستطاع من خلاله أن ينال تغطية معتبرة في الصحف المحلية، وأخذ كعينة من أجل مشاهدته وتناوله في ملتقى علمي متخصص، بل ان العروض السينمائية الأولى للفيلم أحدثت نقاشاً واسعاً على هامش العرض. وأكد لمخرج تواتي لـ«الشرق الأوسط» أن الدافع الأول لكتابة سيناريو هذا الفيلم وإخراجه كان ذاتياً. فهو من بيئة شعبية، وله أصدقاء ومعارف جربوا «الحرقة». فبعضهم نجح في عبور البحر، وبعضهم ألقي عليه القبض وعاد من حيث أتى. وقال المخرج بأن بعض «الحراقة» الفاشلين في عبور البحر، حضروا العروض السينمائية وناقشوا الموضوع، بل أن بعضهم أجاب عوضا عن المخرج وبرر «الحرقة» في النهار مثلما جاء في الفيلم عوض الليل مثلما هو معروف. وهنا قال «الحراق» ان تجربته الشخصية قد وقعت فعلا في النهار. وعن سر اختيار تلك النهاية المفتوحة قال تواتي بأن «المشكلة أكبر من أن تختصر في فيلم قصير»، فكان عليه طرق الموضوع ليبدأ النقاش بعدها، وأن الظاهرة في تنامٍ مستمرٍ. فمن غير الممكن أن يضع نهاية غير مفتوحة. ولا يتردد أحسن تواتي في وصف فيلمه هذا بـ«السياسي»، وحسب ما صرح فإنه من غير المعقول التكلم عن موضوع «الحراقة» الشائك من دون تناول مختلف الجوانب ومنها السياسية، وهو سعيد بالنقاش الذي فتحه حتى ولو كان نقاشاً سياسياً وسيوسيولوجياً. أحسن تواتي، مخرج فيلم «حلم لا يتحقق» كان يمكن له أن يكون «حراقا» مثل شخصيات فيلمه الجديد، لكنه اختار الطريق الأصعب، من خلال دخول عالم السينما من بوابة التمثيل والإخراج. والفيلم الجديد هو الرابع في مسيرته التي انطلقت من المسرح. فقد بدأ سنة 2001 بفيلم «وعلاش يا دزاير» ومعناها «لماذا يا جزائر؟»، من تمثيل فنانين معروفين، ثم أنجز فيلماً قصيراً آخر عام 2004 بعنوان «موت قبل الموت» من تمثيل نخبة من الفنانين منهم سمير عبدون ومراد خان، وفؤاد بن طالب، وتبع مسيرته تلك بفيلم ثالث عام 2006 عنوانه «الغلطة». وقد عالج من خلاله ظاهرة الزواج العرفي وهو من بطولة الفنانين مصطفى عيّاد، وآمال وزناجي. وبعد تلك السلسلة من الأفلام الاجتماعية، التي تناولت ظواهر مثل انتشار «الايدز»، والبطالة والزواج العرفي، أحدث الفارق، وجاء فيلمه الأجرأ (من ناحية الموضوع على الأقل).
«حلم لم يتحقق» أنتج سنة 2007 ويعرض حاليا في حوالي ثلاثين دقيقة، جسدت بطولته جماعة من الفنانين الجزائريين هم حسان بن زراري، وعز الدين بورغدة، ومحمد بن داود وأحسن تواتي (المخرج) وقاسمهم البطولة الفنان سام فيكتوار، من دولة الكاميرون، يؤدي دور الشاب الأفريقي الذي يتخذ منطقة شمال أفريقيا محطة عبور للقارة الأوروبية. والفيلم اتهم بالمبالغة لأنه قدّم فتاة تحاول عبور المتوسط إلى الضفة الأخرى مع الشبان. لكن المخرج أحال منتقديه إلى أخبار الصحف المحلية التي أكدت ذات مرة، بأن خفر السواحل عثروا على قارب «حراقة» وعلى متنه عشرون فتاة. فالظاهرة برأيه عامة وتطال الذكر والأنثى. والفيلم من إنتاج التلفزيون الجزائري.
لا تزال أخبار المغامرين على متن «قوارب الموت» من الحراقة تملأ صفحات الجرائد المحلية في الجزائر وكل دول شمال إفريقيا، فلا يكاد يمر يوم من دون التحدث عن «الحراقة» الذين يغرق بعضهم في المتوسط أو الأطلسي، وبعضهم يلقى عليهم القبض في المياه الإقليمية للضفة الجنوبية، وبعضهم يجد خفر السواحل الاسبانية والإيطالية في انتظاره عند الضفة الشمالية. تلك الظاهرة كانت إلى وقت قريب من التابوهات التي لا يمكن مناقشتها علناً، لكنها أصبحت محور النقاش الإعلامي والسياسي. وها هي تصل إلى السينما، من خلال أول فيلم يعالجها، ومن المؤكد بأن الحديث عن الظاهرة سيتكرر فنيا، لأنه ما زال يتكرر على بحر الواقع بأشكال قمة في التراجيدية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة