التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لوكيوس أبو ليوس صاحب الحمار الذهبي.. أول روائي في التاريخ «يبعث» مقاوماً


«لوكيوس أبوليوس»، ابن مدينة مداوروش بالشرق الجزائري والذي عاش زمن الاحتلال الروماني للمنطقة، كتب ما اعتبر «أول رواية في التاريخ» في القرن الثاني للميلاد. هذا الكاتب الذي ظل غائبا عن الثقافة الجزائرية، أو ما أشبه، تجسد أخيرا على خشبة المسرح، لكنه هذه المرة «بعث» عسكريا مقاوما للاحتلال الروماني، على عكس ما تقوله بعض المصادر الغربية، فهل كان الروائي مقاوما فعلا؟

الخير شوار
قبل سنوات صدر عن «منشورات الاختلاف» الجزائرية ما اعتبر «أول رواية في التاريخ الإنساني» والتي لم تكن إلا «الحمار الذهبي» لصاحبها «لوكيوس أبوليوس»، المولود في منطقة «مداوروش» بالشرق الجزائري سنة 125م. وكانت هذه الترجمة العربية «الكاملة» الاولى من نوعها لذلك الاثر الأدبي العالمي وقام بها الراحل أبو العيد دودو، بعد محاولة اولى للكاتب الليبي علي فهمي خشيم عنونها بـ»تحولات الجحش الذهبي»، ولم تكن كاملة بشهادته هو نفسه عندما قال انه تجاوز فيها بعض تفاصيل العلاقات الغرامية التي يحتويها ذلك المتن الأدبي. وسبقت هاتان المحاولتان، ولادة نص مسرحي عن «أبوليوس» كتبه الشاعر أحمد حمدي، ونشره مسلسلا في صحيفة «المساء» الجزائرية سنة 1987، ثم طبعه وصدر سنة 1990 عن منشورات «اتحاد الكتّاب العرب» في سورية.
وتجسد هذا النص المسرحي على الخشبة للمرة الاولى، بداية من شهر يوليو (تموز) الماضي، وسيتم عرضه لاحقا. وهو من إخراج بوزيد شوقي وتمثيل مجموعة من الفنانين منهم عبد الحليم زريبيع وريم تعكوشت.
وشخصية الكاتب لوكيوس أبوليوس الذي خلّف ذلك الأثر الخالد ثرية للغاية. فقد اعتبر صاحب «أول رواية في تاريخ الإنسانية»، رغم ان روايته هي الثانية، على الأرجح باعتبار أن اول محاولة هي لـ»غايوس بيترونيوس أربيتر وعنوانها «مأدبة تريمالخيو» ووصلتنا ناقصة بعد ضياع أجزاء منها. فأبوليوس الذي يقول عن نفسه مفتخرا: «... وأترك لكم الحكم: لقد كتب أمبدوكليس الشعر، وأفلاطون المحاورات، وسقراط الأناشيد، وأبيخاروموس الموسيقى وأكزينيفانيس التاريخ، واكزنوقراطيس الهجائيات، بينما يمارس «أبوليوسكم» كل هذه الأنواع، ويعنى بكل العرائس وبالحماسة نفسها».
تقول الكثير من المصادر أن لوكيوس أبوليوس، عاش فعلا، حياة فنان حقيقي يحب المعرفة ويزهد في السياسة ويحب المغامرة والسفر، ودفعه الحب إلى الزواج من امرأة تكبره بأكثر من عشر سنين عند مدينة «أويا» الليبية. وقد اتهم بعدها بمحاولة اغوائها واكتساب حبها عن طريق السحر والشعوذة، وحوكم في مدينة إسبرطة وتمكن من الحصول على البراءة. وتؤكد مراجع أن حبه للأدب والعلم والمعرفة استمر طيلة حياته، وبقي مستمرا في التأليف والخطب والمحاضرات التي كانت أقرب الانشغالات إلى نفسه حتى عجز عنها وتفرغ بعدها للتأليف فقط.
ومن بين تراث أبوليوس بقيت رائعة «الحمار الذهبي» التي تصور إنسانا مسخ حمارا بكل سخريتها وطرافتها. لكن هذه الصورة كانت غائبة بشكل كبير في نص الكاتب أحمد حمدي المسرحي عن «أبوليوس» الذي تجسد أخيرا على الخشبة. ويرى البعض ان ما حدث لأبوليوس يشبه كثيرا ما حدث للأمير عبد القادر الجزائري في العصر الحديث، فهو الشاعر والوصاف الكبير والمحاور الحضاري البارع، لكن الصورة التي أخذت عنه في المخيال الجزائري المعاصر وعكستها المقررات المدرسية ووسائل الإعلام تختصره في ذلك العسكري الشرس الذي قاوم الاحتلال لا الروماني وإنما الفرنسي، لمدة سبع عشرة سنة كاملة في النصف الاول من القرن التاسع عشر الميلادي.
لكن أحمد حمدي كاتب نص مسرحية «أبوليوس» له رأي آخر، فهو يرى أن عبقرية أبوليوس الفنية والادبية لا تتعارض مع روح المقاومة التي كان يتمتع بها، ويقول لـ»الشرق الأوسط»، ان كاتب رواية «الحمار الذهبي» لم يكن فنانا بدون قضية كما صورته بعض المصادر الغربية، وأن أول من حاول تشويه سمعته هم الرومان القدماء الذين حاربهم، وهو يعتنق المذهب «الدوناتي» المسيحي (نسبة إلى القديس دونا) الذي كان منتشرا في الجزائر وشمال إفريقيا عموما قبل الفتح الإسلامي للمنطقة، وهو المذهب الذي كان يعتنقه الشعب ويناهض الاحتلال الروماني للمنطقة. وقد ساهم لوكيوس أبوليوس نفسه في ما سمي «ثورة الفلاحين» التي حدثت في القرن الثاني للميلاد، تحت لواء مذهب القديس دونا المسيحي.
ويؤكد أحمد حمدي لـ»الشرق الاوسط» أن ثورة الفلاحين تلك التي انخرط فيها الكاتب لوكيوس أبوليوس إنما تؤكد الجذور الشرقية للمنطقة التي ترفض باستمرار كل محاولات الاحتلال والحاقها بالحضارة الغربية، وهذا هو بالضبط ما فهمه الكاتب أحمد حمدي من سيرة أبوليوس وما أراد أن يقوله من خلال هذا النص المسرحي.
ربما التأكيد على تلك الرسالة السياسية هو ما جعل المسرحية توغل في عرض سيرة هذا الكاتب من وجهة نظر الشاعر أحمد حمدي، فلم يكن هناك صراع درامي كبير، بشهادة بعض من ساهم في المسرحية. لكن، وفي المقابل شهد جمهور المسرح الجزائري عودة أول روائي جزائري وإنساني في التاريخ من جديد بفضل خشبة المسرح، ومن وجهة نظر الشاعر أحمد حمدي الذي رآه عسكريا مقاوما للرومان، في انتظار رؤى أخرى مختلفة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة