التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في رحيل رضا مالك


خريج جامعة الجزائر وباريس بدبلوم في الفلسفة، انخرط في السياسة مبكرا انطلاقا من العمل الوطني إبان الثورة التحريرية حيث أدار مجلة "المجاهد" لسان حال جبهة التحرير الوطني إلى غاية الاستقلال، ليتقي بمثقف آخر وهو مصطفى لشرف الذي كان أحد "الزعماء الخمسة" الذي قرصنت السلطات الفرنسية طائرتهم التي كانت متوجهة سنة 1956 من الرباط نحو تونس ليجدوا أنفسهم داخل أحد السجون الفرنسية.
رضا مالك 
 
التقى الاثنان وتعاونا في صياغة "ميثاق طرابلس"، لتفرق بينهما سبل العمل الدبلوماسي ويلتقيا مرة أخرى في ظل النظام البومديني الذي حاول الجمع بين الفكر الاشتراكي الثوري مع الفكر العروبي والإسلامي، ليتقي مالك ولشرف وأحمد طالب الإبراهيمي ومحمد الصديق بن يحيى ضمن بوتقة واحدة، انبثقت عنها "الثورة الثقافية" في بدايات سبعينيات القرن الماضي ثم صياغة "الميثاق الوطني" الذي تحول من فكرة إلى نص مكتوب سنة 1976 ومنه جاء دستور 1976، وتداول مالك والإبراهيمي ولشرف على وزارة الإعلام الثقافة ووزارة التربية. 
لقد كانوا مثقفين داخل السلطة، استفادت من أفكارهم واستفادوا منها، لكن المشروع توقف فجأة برحيل رئيسه وتاهت "الجماعة" في سبل شتى. وجاءت أجيال أخرى من الفاعلين، لكن السلطة استنجدت بهم في مطلع تسعينيات القرن الماضي في ظروف خاصة جدا، فحاول رضا مالك ومصطفى لشرف ومعهم الروائي الراحل عبد الحميد بن هدوقة والروائي مرزاق بقطاش الوقوف في وجه الطوفان وإعادة الثقافة بمفهومها الحداثي الذي فهموه إلى السلطة التي أبعدتها التحولات عنها، فأصبح رضا مالك مبعوث السلطة الجديدة إلى كبرى العواصم الغربية لشرح "حقيقة ما وقع في جانفي 1992"، ثم أصبح رئيسا للمجلس الاستشاري الذي كان بمثابة برلمان غير منتخب ضم أشهر المثقفين اليساريين، ثم أصبح مالك خامس سلطة رئاسية خماسية الأعضاء فرئيسا للحكومة في أخطر مراحل تاريخ البلاد وهو يرى نفسه المثقف الذي لا يمكن أن ينسحب أو يهرب في وجه الطوفان، لكنه وجد نفسه خارج اللعبة بعد ذلك ليؤسس رفقة أصدقائه (بن هدوقة، بقطاش، لشرف...) التحالف الوطني الجمهوري الذي أخذ مسارا آخر بعد ذلك بعد رحيل بعض مؤسسيه وتقدم رضا مالك في السن ومعاناته مع المرض، وقبل ذلك لم ينقطع عن كتاباته الفكرية والتاريخية فأصدر كتبا جديرة بالقراءة في هذا الشأن. 
الخير شوار 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة