التخطي إلى المحتوى الرئيسي
كأنه الكاتب العصامي الوحيد، فلا يكاد يُذكر اسم سواه عند الحديث عن الظاهرة، وربما لعبت الدراما المصرية التي هيمنت طويلا على المشاهد العربي دورا في الأمر وقد خلّدته في مسلسل تلفزيوني عُرض في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي بعنوان "العملاق" عندما مثّل دوره الفنان الراحل محمود مرسي.
عباس محمود العقاد

الخير شوار 
ربما لعبت الكتب المدرسية المقرّرة الدور الحاسم وهي التي احتوت على كثير من نصوصه في مراحل تعليمية مختلفة وفي كل مرّة كان المقرّر يركّز على العصامية التي ميّزت عباس محمود العقّاد، الفتى الفقير الذي توقّف عند التعليم الابتدائي، لكنه واصل رحلة التعلّم الذاتي واكتسب اللغة الإنجليزية من السيّاح الذين كانوا يزورون منطقة أسوان التي كان يقطنها.
كان العقّاد عصاميّا "كبيرا" ترك تراثا أدبيا ضخما، لكن له "إخوة" في هذا المجال، عانوا كثيرا في حياتهم، وكوّنوا أنفسهم بأنفسهم، منهم –مثلا- محمد شكري الذي اشتهر في العالم كله برواية "الخبز الحافي" التي تُرجمت إلى مختلف اللغات، وقبل ذلك عاش حياة التشرد والجهل والجوع ولم يتعلم الكتابة والقراءة إلا في العشرينيات من عمره، وانتظر سنين أخرى إلى أن "باع" حكاية حياته إلى أحد الأمريكان بمائة دولار الذي كان يشتري قصصا من أناس عاش حيوات استثنائية لفائدة قارئ غربي يهوى ما هو غرائبي من "عالم الشرق". وانتظر سنين أخرى ليلتقي بالروائي الطاهر بن جلون الذي ترجم القصة إلى الفرنسية ونشرها في باريس لتنفجر القنبلة التي حوّلت الرجل البائس إلى ثري ومتفرغ للكتابة ترك تجارب أخرى كرّست اسمه ككاتب ومثقف استثنائي لكنها لم تتجاوز في شهرتها "الخبز الحافي".
ومنهم حنا مينا الذي انتزع مكانته بين أكبر الروائيين العرب وكتب تراثا سرديا كبيرا وغزيرا، وقبل أن ينال تلك الشهرة كان قد عاش حياة البؤس وقد اضطرته الظروف عن الانقطاع عن التعليم وهو في الابتدائي، وعمل حلاقا وحمّالا في ميناء اللاذقية، ولم ينل المكانة التي يستحقها إلا بعد كفاح كبير ومن "مخزون" معناته أبدع عالما روائيا استثنائيا وتحوّلت بعض رواياته إلى مسلسلات تلفزيونية ناجحة.
ومن "إخوة" العقّاد أيضا الروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار الذي تلقى تعليما بسيطا في كتاتيب قريته ثم بمعهد ابن باديس في قسنطينة لينتقل بعدها إلى تونس قصد الالتحاق بجامع الزيتونة الذي كان يقدم تعليما تقليديا، لكنه انقطع عنه بشكل مفاجئ وكوّن نفسه بنفسه هناك وتحوّل إلى واحد من أشهر الروائيين. وللأسف فإن مذكراته لم تتناول تفاصيل رحلة كفاحه العصامية وتفاصيلها التي كان يسردها في مجالسه الخاصة، فقد كتب جزء يتيما بعنوان "أراه.. الحزب وحيد الخلية" وتوقف عند بلوغه السنة الخامسة من عمره مع بعض الإشارات إلى تجربته السياسية كمراقب في حزب جبهة التحرير الوطني وكيف أحيل على التقاعد في منتصف الأربعينيات من عمره بسبب قصة "الزنجية والضابط" مثلما أكد أكثر من مرة. وبين هذا وذاك غابت تفاصيل حكاية واحد من "إخوة" العقّاد الكثيرين، مثلما غابت كثير من الحكايات الأخرى لأناس نقرأ لهم ولا نعرف تفاصيل حياتهم، وربما كان لغياب "ثقافة" كتابة المذكرات الجانب الأهم من تغييب مثل هذه الحكايات، وإن حدث وأن "تجرأ" البعض على ذلك فإن المعادلة الشهيرة تحضر بالقول إن "العرب عندما يكتبون روايات فهم ينهلون من سيرهم الشخصية وإن أردوا كتابة سيرهم لجؤوا إلى تأليف روايات خيالية لا علاقة لها بحيواتهم". وربما نقرأ بعض تفاصيل العصامية في مثل روايات حنا مينا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة