التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل أعاد كاتب ياسين كتابة مأساة "البوغي" روائيا؟

هي "أسطورة" الروائي والمسرحي الراحل كاتب ياسين وقد كتبت في عز اشتعال الثورة التحريرية (سنة 1956)، التي تحيل إلى أسطورة أخرى من التراث الموسيقي، وهي الحكاية التي تأخذ أشكالا مختلفة، لكن جوهرها يكاد يكون واحدا في كل الحالات.
كاتب ياسين

الخير شوار
قيل إن رواية "نجمة" ظل صاحبها كاتب ياسين يكتبها بأشكال مختلفة، سردا وشعرا ومسرحا، لكن الملاحظ أنها استمرت بعد موته تكتب بأشكال جديدة، ولعل آخرها ما أخرجه الفنان أحمد بن عيسى الذي أعطاها رؤية جديدة تجسدت مسرحيا مع بداية الاحتفال بميلاد المسرح الوطني الجزائري وبقيت تعرض في مختلف المسارح الجهوية، وعن هذه التجربة يقول الفنان أحمد بن عيسى إنه حرص على تقديمها باللغة المحكية المحلية "لتكون قريبة من الجمهور" ووفاء لروح كاتبها الذي يعشق لغة الجماهير.
وبقدر ما ظلت نجمة حاضرة في المشهد الثقافي الجزائري على مدى سنين طويلة، بقدر ما ظلت غامضة غموض الرواية الأصلية المستعصية على القراءة وهي التي كتبت باللغة الفرنسية وترجمت بصيغ مختلفة أكثر من مرة، آخرها ما أنجزه المترجم والكاتب السعيد بوطاجين والصادر عن منشورات الاختلاف، وهو يقول في مقدمة ترجمته تلك: "يجب الاعتراف بأنني لم أواجه نصا ممزقا مثل نجمة، نصا جعل الكاتب عاليه سافله لقناعات جمالية، ليس من السهل الكشف عن قصديتها بدقة متناهية". ويضيف بوطاجين قائلا: "ليست نجمة عملا روائيا وكفى، ليست قصة ننتظر نهايتها، وليست أبطالا بالمفهوم المتواتر؛ إنها سديم حقيقي يقود إلى ما يشبه الهوة الممتدة من المطلع إلى الخاتمة".

ومع تلك الحيرة التي تصيب قارئ الرواية أو مشاهد مختلف المسرحيات التي استوحيت منها، يطرح المتلقي السؤال: "هل نجمة مجرد خيال أم هي من لحم ودم؟" يجيب الكاتب الصحفي احميدة عياشي الذي رافق الروائي كاتب ياسين في سنيّ حياته الأخيرة عن السؤال من خلال كتابه "نبي العصيان.. عشر سنوات رفقة كاتب ياسين"، الصادر عن منشورات سقراط ويقول: "لم يكن ياسين يتحدث عنها إلا قليلا، كانت نجمة ابنة عمه، كانت أخت المخرج والممثل المسرحي مصطفى كاتب، كانت تبدو كشبح قادم من بعيد، عندما يتذكرها كانت الصوت الأسطوري للأسلاف الذين يتحدّث عنهم كاتب ياسين في روايته وفي أشعاره وفي مسرحياته التراجيدية"، ويضيف «يوم مات (كاتب ياسين) رأيت نجمة، كانت من لحم ودم وكانت ترتدي السواد.. كانت عيناها غائرتين.. ذات أنف طويل وملامح تحمل نفس الكآبة التي كانت تظهر على وجه ياسين..".
لقد كانت أسطورة كاتب ياسين تلك من لحم ودم ولم تكن إلا أخت المدير العام للمسرح الوطني السابق الراحل مصطفى كاتب، وقد أعطاها الفنان أحمد بن عيسى من خلال عمله المسرحي الأخير قراءته الخاصة، والتي لخّصها في حكاية رجل كان يحدّث زوجته وهما من قبيلة «الكبالتة» (بنو كبلوت) بالشرق الجزائري ويبشرها بقدوم شاب اسمه «الأخضر» يرث من أجداده الثورة على الاستبداد، ويظهر «الأخضر» بعد ذلك في القبيلة نفسها يعيش قصة حبّ مع «نجمة»، وتتوالى الشخصيات الثورية في الظهور مجسّدة ملحمة الحبّ بمختلف أنواعه.
ولئن عرفت «نجمة» كأسطورة روائية ومسرحية مع كاتب ياسين منتصف القرن العشرين، فهي أقدم من ذلك في الفن الجزائري، من خلال قصيدة «البوغي» التي اشتهر بغنائها الفنان محمد الطاهر الفرقاني في وقتنا وذلك في إطار موسيقى «المالوف»، وقد غنّاها قبله الكثير من الفنانين، وما «البوغي» إلا قصة حبّ مستحيل جمعت المرأة القسنطينية «نجمة» قبل أكثر من قرنين من الزمن بحبيبها المسمى «جاب الله» وهو فنان موسيقي قادم من مدينة عنابة، وقيل إن «نجمة» عندما أحبّت جاب الله كانت متزوجة وقيل أيضا إن أهلها لم يزوجوه إياها، وتنتهي الحكاية عندما تصرّ هي على أن يأتي ليغني في عرسها أو في حفل ختان ولدها، حسب مختلف الروايات، فيأتي جاب الله ويغني حكايته معها وينكشف أمره فيعرض نفسه للقتل ويتحوّل العرس إلى مأتم. ولئن عرفت حكاية «البوغي» من خلال التراث الموسيقي الحضري للشرق الجزائري إلا أن حكايتها المدهشة حوّلها الفنان احسن بوبريوة إلى عمل مسرحي.
وفي كل الأحوال تبقى «نجمة» عصيّة على الإمساك بها، ولا ندري كيف سمّى كاتب ياسين حبيبته بهذا الاسم؟ هل اعتمد على حكاية «البوغي» وتكرّر الحبّ المستحيل من خلال الاسم نفسه، أم كان الأمر مجرّد «صدفة»؟ وفي كل الأحوال، فإن الأسطورة تتجدد مع احتفالات ميلاد المسرح الوطني الجزائري.

قصيدة "البوغي"
و انا بالبغية تقوى غرامي
أهلكني يا سابغ الشفر
نتبع في مرضك والع
بعد ما رقدت همومي
وتبت على الاريام والخمر
قلت انا لله راجع
الليلة بثتي سلامي
و جاء ليا مرسول بالخبر
حدثني بلفظ الشنايع
عدت نخمم في نجامي
و ها في العقل ولا وجد صبر
سقطوا من عيني لمدامع
والعقل يغدى ليه وسايع
الله يا سود الريامي
يا من يفهم دا الجواب يصنت ليا
نعلمكم ما يصير على كحل الحاجب
عدينا زهو أنا و ولفي في الدنيا
لا يلزم بي نحبس عن أمري يا صاحب
نعلمكم قصتي وسبايب دا النفية
هودت للبستان نغسل عقلي طارب
نلقى جماعة زاهيين نادوا علي
حلفوني باليمين جزت لقداهم نزارب
نلقى خوذ مشهرين وصفرة منشية
كلهم متماثلين ولاد مضارب
كل آخر اجبد سالف ولفه يا خويا
و انا الممحون صار دمعي يسكب
فزيت فالحين زدت لعبوا رجليا
غيبت على اقداهم وجزت للزينة زارب
قلتلها جيتك بغيظ ناري مقدية
تعطيني ما يوالم ويناسب
قالتلي والله ما يفيدك بخلف القطايع
اديها وافخر على جميع من يصحب
ظفرتها لي بالجوهر النفوسي من غاية
حطت فيها حجرتين كالبرق اللاهب
دربتها لي بالحزام لن وصلت ليا
كمثل الثعبان صرت نمشي و نزارب
حين وصلت شور الرجال لا لوم عليا
قالوا لي وين غبت عنا يا صاحب
قلت لهم ابطل منامي
و هدف ليا فكر كالبحر
جاني بالموجات دافع
بحر الحب غليلي طامي
و سالف نجمة سابغ الشفر
لن دهشوا ذوك الربايع
انذرني من الزهو ينامي
أكمي سري حتى أنا نوجد الخبر
راك انعمت يا الطايع
طهرت ما كان من كلامي
وراهم قبلك صرفة الخداع
نتقول روحك ذا سوايع
ليغدى لحمك وزايع
الله يا سود الريامي
لمن راد الله فراقها جا في الظمر
مدة ثلاث سنين
غريب جاي على البلدي
بعتتني زاود للمرفع الخاطر
نبغيك ذا الفجر عالغيض العهدي
راه النوم بعدني و عادت الليالي لاتقصر
بوصولك هنايا يا ضو الثمادي
تحزمت وقلت يا مغيث المسافر
يا ربي سلتك بحرمة النبي الهادي
و اذا نفذ قطاك من حكمك اصبر
و السابق في الجبين مكتوب ينادي
الموت بالأجل والشنايع تتفاخر
مخلي الشيعات يوصلوا لكل بلادي
يجسوا لها و يجيبوا الأماير
قصدت بجوب القفار و السالف زادي
حين وصلت لمدينة الهوى عقلي طاير
اقدمت على الموت في رضى نجمة مرادي
وانا ادخلت عقب الظلام
اقصدت رفيقي و صاحبي
على الغفلة المساهر فاجع
سلمت و قبل سلامي
و ذيك الساعة اعلنت له الخبر
قال انا لرضاك طايع واختار الي يلب بدمي
وسرنا لها سابغ الشفر
هي توعد كل جامع
و دخلنا في نارين طلامي
و في عدت عشرين أو اكثر
اعلمتهم غيض المسامع
قام الصوت شفيف و رافع
الله يا سود الريامي
نجمة يا نجمة ما بقى لك صواب في اللوم عليا
راني غديت لقداك في الشنايع و الباطل
اتبقاي بالخير يا المتهومة بيا
هذا آخر وداعنا والوعد اكمل
كرهوني يا الزهو خاطري ناسك بغضية
لا يلوم غرض خلف ولا مشغال
رضى وقالت لي قوم الحسود شفايا فيا
لو ما انت ما نتكره في سبت راجل
وأنا منهم حرامي
و ناس باعوا نيفهم خسار
باعوني صف المضايع
الله يا غيد الريامي
و صاحب سنة ولا تحدثوا
و ان كان الخنى و فادع
والرجلة تحضر سوايع
الله يا سود الريامي
يا ناري جناوني بحجة بطالة
نستحذر قداش ما نفع شي من حذري
وين هو حديذ لاتساع و كلام الغفلة
حين وصلت شور المضيق بكاني شفري
صحابي دنوا سلموا قالولي لا لا
عرفوا صوح المضيق فيه يتوفى عمري
وين الي قالوا نقتلوا على جاب الله
واحد في العشرين شد في الفتنة نظيري
و انا منهم حرامي
وناس باعوا نيفهم خسار
باعوني صف المضايع
الله يا غيد الريامي
نوصيكم يا عانس الحضر
و اذا كان الامر واقع
قولوا لها سبة غرامي
و ثان قدامي سابغ الشفر
و أنا بالعشق والع
و لو يصفروا قدامي
و عن جالك يا سيدة الحضر
الي تقطع نحرها نايم
بعدما نقرا سلامي
العزة بكل لمن حضر
حار دليلي و صرت حاير
الله يا سود الريامي
ومن بعد السبغة حتى للمحبة نتفارقوا
لا تاخذ شي بالشنايع
وقدا و حديث القضايع
الله يا سود الريامي.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة