ربما كان أنطوان تشيخوف يشعر بعقدة ذنب تجاه القصة
القصيرة الذي ساهم في ابتكارها وتطويرها رفقة الفرنسي غي دي موباسان والأميركي
إيغار ألان بو.
الخير شوار
لقد حاول في البداية استثمار ذلك الفن الذي تطور مع
الصحافة من أجل ربح قليل من المال، لكنه سرعان ما وقع في أسره واتجه عموديا بحثا
عن قارئ مثالي عوضا عن أفقية قارئ الجرائد الذي لا يبذل أي جهد ولا يتعامل مع
القصة في النهاية إلا كحادثة اجتماعية بسيطة مثل تلك التي تمتلئ بها وسائل الإعلام
في كل مكان وزمان على أن تستسلم تلك الحكايات للنسيان.
ولم يبتعد تشيخوف عن "القارئ العادي" إلا
ليصبغ صفة الفن والتميز على القصة القصيرة التي ولدت من رحم الحكاية لكنها تختلف
بشكل جذري عن الفن الروائي الذي تطور قبل ذلك على يد سيرفنتس.
ورغم أن كثيرا من المشتغلين بالحقل السردي أيام تشيخوف
وبعده، عمدوا إلى المقارنة بين هذا الفن وذاك، إلا أن القص كما فهمنا من معلمه
الأول لا يطمح لأخذ مكان أي فن، ولو أنه حاول استثمار عنصر السرعة والمفاجأة ليبرز
أكثر من غيره، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان واستعادت الرواية المحافظة على
أرستقراطيتها تاجها وأصبحت ديوان العصر الجديد رغم أنها لم تتنازل عن شيء من
خصائصها القديمة. ولئن عرفت القصة القصيرة أياما صعبة بعد رحيل مؤسسيها، فإن علتها
كانت دوما في كتّابها الذين لم يفهموها كما يجب واعتقدوا أنها فن المبتدئين، أو
تعاملوا معها بانتهازية واتخذوها مطية للوصول إلى "السيدة رواية".
وبلغ الهوان بالقصة القصيرة حدا، أصبح كتّابها يصنفون في
الدرجات الدنيا ولا يمكن لأحدهم أن "يمحو العار" إلا باقتحام عالم
الرواية، ولا احد يتوقع من قاص أن يفوز بجازة أدبية مرموقة وحتى الناشرين أشاحوا
بوجوههم عنها وساهموا في كسادها، وكاد الأمر يستمر إلى أن تلفظ أنفاسها. لكن
تشيخوف انتقم من قبره أخيرا بفوز حفيدته (الفنية) أليس مونرو بأكبر وأشهر جائزة
أدبية في العالم. إنه الانتقام الجميل والعودة المرتقبة لهذا الفن مثل طائر
الفينيق الذي ينبعث من رماده في صورة ربما أجمل من الأصل.
تعليقات