ما
الذي يمكن أن يجمع كالكامش بطل الملحمة الشهير بأبي العلاء المعري وأرنست همنغواي
وكلهم نطقوا بلغات مختلفة وعاشوا في أزمة متباينة؟
الخير
شوار
كالكامش
في الملحمة السومرية القديمة، بلغت مأساته عندما انطلق في سفره الطويل والتقى «الرجل
العقرب» الذي خاطبه قائلا: ما الذي حملك على هذا السفر البعيد؟ وعندها أجاب يقول: «أتيت
قاصدا أبي، أتو- نبتشم- باحثا عن الحياة، أبي الذي دخل في مجمع الآلهة، جئت أسأله
عن لغز الحياة والموت». فهل قهر كالكامش الموت مثلما كان يبتغي؟
لقد
كانت نهايته مأساة، ومن المفارقات أن تلك المأساة كانت في خدمة الفن، تماما على
طريقة أبي الطيب المتنبي الذي جاء بعده بمئات السنين عندما قال: «مصائب قوم عند
قوم فوائد».
كان
ذلك الحال مع أقدم ملحمة ونص مكتوب في تاريخ الإنسانية (ملحمة كلكامش) التي كتبت
بالخط المسماري منذ أزيد من أربعة آلاف سنة، ومازال صداها يتردد إلى الآن في مختلف
لغات العالم وفي أذهان الملايين من المتلقين.
وتحت
عنوان «مصير الإنسان»، ومحاولة التعبير عنه بأشكال مختلفة، أنشئت الملايين من
النصوص التي أضاعت أصحابها وأغرقتهم في الحزن والموت البطيء، وخلفّت لنا بالمقابل
أدبا خالدا، فهذا الكاتب الأمريكي الشهير أرنست همنغواي الذي انشغل بالأمر وترددت
هواجسه فيه ضمن روائعه (ثلوج كليمنجارو، والشيخ البحر....)، لم يرتح من تلك
الهواجس إلا عندما أنهى حياته بسلاحه سنة 1961. وهذا الشاعر العربي أبو العلاء
المعري الذي قال: «هذا ما جناه أبي عليّ، وما جنيت على أحد»، يرثي الإنسانية جمعاء
بقصيدة أراد أن يرثي بها شخصا بعينه:
غير
مجد في ملتي واعتقادي
نوح
باك ولا ترنم شاد
وشبيه
صوت النعي إذا قيس
بصوت
البشير في كل نادي
تعب
كلها الحياة فما أعجب
إلا
من راغب في ازدياد
لقد
قهرهم الموت، وأضاعهم التفكير في مصير الإنسان، ولم يجدوا سر الخلود كما كان الأمر
مع كالكامش قبلهم أجمعين، لكن أنفاسهم التي كانت تتمزق بين الكلمات والسطور التي
كتبوها، مازال صداها يرتد على مر الأزمان، وربما كان ذلك خلودا من نوع خاص، لكنه
خلود المأساة لا خلود الإنسان.
تعليقات