التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن «خرف» ماركيز.. «غابو» في متاهته


غابريال غارسيا ماكيز


غابريال غارسيا ماكيز مصاب بالخرف.. غابريال ليس مصابا بالخرف.. تتناقض الأخبار ويتواصل الجدل بشأن هذا الحكّاء الذي احتفل الربيع الماضي بعيد ميلاده الخامس والثمانين وكانت الإشاعات قد «قتلته» أكثر من مرة جراء إصابته السرطان الذي بدا متعايشا معه في سنينه الأخيرة بشكل يشبه «الواقعية السحرية» التي أبدع من خلالها روايات جعلت جائزة نوبل للآداب تتشرف به سنة 1982 و«تفوز» به.

الخير شوار
ماركيز المعروف باسمه الصغير «غابو»، كان قد سُئل قبل سنين عن «التيمة» التي تتكرر في كتابته القصصية والروائية، فأجب بكل تلقائية «إنها العزلة»، وبالفعل فقد كان هذا الهاجس حاضرا بقوة انطلاقا من العنوانين (الكولونيل لا يراسله أحد، مائة عام من العزلة، خريف البتريرك، الجنرال في متاهته...)، ويبدو أنه عزلة الشيخوخة لم تقض عليه فقد فاجأ العالم في بدايتها بروايته «غانيات العزيزات» وبدا من خلالها متحكما في خيوط اللعبة السردية كما كان عليه الحال في شبابه الاول وفي كل مراحل حياته.
وربما كان هذا الهاجس الذي لازمه منذ الطفولة قد تكيف معه وأصبح ملاذا له بعد أن كان يرعبه، وهو الذي مكنه من التغلب على السرطان والاستمرار في الإبداع مرة عن طريق الكتابة وقد أخرج لنا في خريفه إضافة إلى «الغانيات» مذكراته الضخمة التي بيعت كما تباع «النقانق» على حد تعبيره في حواراته السابقة، واستمر في الإبداع ومرات عن طريق خرجاته وأخباره التي لا تتوقف وآخرها خبر «الخرف» الذي جاء في أسبوع واحد بصيغتين متناقضتين، وربما أصبح «غابو» يعيش في واقعه اليومي غرائب العوالم الخرافية التي ظل يبدعه على مدى سنين طويلة وجعلته أحد أساطير السرد العالمي. وربما هو الآن يحاول الجنرال سيمون بوليفار (في متاهته الاخيرة) والجنرال أوريانو بونيديا الذي قال عنه في «مائة عام من العزلة» إنه خسر إثنى عشر حربا كاملة واخترقت رصاصة جسده وخرجت منه دون أن تقتله، ويحاول الكولونال المتقاعد الذي ينتظر عبثا رسالة تأتيه بإشعار التقاعد.
هو عالم غابو الذي يصبح معه «الخرف» نعمة لا نقمة وهي العزلة التي لا أحد يعرف متى ينتهي فصله الأخير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير...

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز...

بوزريعة أعلى ارتفاع بالعاصمة :طريق بارد إلى الثلج

ثلج في الجزائر العاصمة  كان ذلك يوم الجمعة، قبيل أن تغطي الثلوج مدينة الجزائر، كانت أولى بشائر الثلج وقد بدأت من أعالي بوزيعة. الخير شوار ''إنه البرد''، يقول الجميع بصيغ مختلفة، البرد الذي لا يتكرر كثيرا في مدينة الجزائر المتوسطية التي تحافظ دائما على الحد الأدنى من دفئها في عز الشتاء· درجة الحرارة تنزل إلى ما دون العاشرة، فيتزاحم الغرباء في المطاعم الشعبية، حيث تتزايد الطلبات على صحون ''اللوبيا الحارّة''· لكن البرد في وسط العاصمة ليس كمثل الذي في أطرافها أو عند أعاليها، حيث تنخفض الحرارة كلما اتجهت إلى الأعلى· تشعر بذلك عندما تصل إلى حي الأبيار، حيث يزداد تساقط البَرَد (بفتح الراء) الذي يسمى محليا ''التبروري''، ويقول السائق بشيء من الخوف وشيء من التعجب، إن السيارة لا يكاد يتحكم فيها، فهي تنزلق من شدة تساقط ''التبروري'' الذي يعرقل سيرها، ومع ذلك يتجه بصعوبة نحو أعالي بوزريعة· ويقترب الوقت من منتصف النهار، حيث تقل حركة السيارات تزامنا مع اقتراب صلاة الجمعة، لكن الجو يستمر في البرودة، حيث تنخفض درجة الحر...