غلاف رواية "جبال الحناء" للكاتب عبد القادر برغوث |
يتجادل التاريخ في هذه الرواية الصادرة حديثا عن ”ميم للنشر”، مع الأسطورة، ويمتزج هذا بتلك في الكثير من المقاطع، لتعاد كتابة حكاية جبل بوكحيل من جديد، عندما يتحوّل الأخير إلى ”كتل” من الحناء أو هكذا تبدو القراءة.
اختار الكاتب عبد القادر برغوث في سفره الروائي الأول (جبال الحناء) قراءة المكان والبحث عن ”الأسطورة الشخصية” بتعبير الكاتب باولو كوهيلو، وهو الاختيار الذي يبدو ذكيا، ومن خلاله نعيد اكتشاف ذلك العالم غير المألوف في المتن الروائي الجزائري. ومن هنا جاءت ”جبال الحناء” في شكل نشيد حب للمكان وللزمان في بعده الأسطوري، حيث نعيد اكتشاف جبال بوكحيل التي اشتهرت زمن الثورة التحريرية مثلما اشتهرت بعد ذلك عندما تحوّلت إلى قلعة للجماعات المسلحة.
ينطلق السارد من النهاية وينتهي عند البداية، كأن الزمن ينتفي وتنتفي معه التاريخانية التي تميّز الشخصية الرئيسية وهو بالمناسبة أستاذ للتاريخ. وعبر تلك المسافة الورقية يقودنا خيال ”ميرة” إلى ”جبال الحناء والمسك” تلك، حيث يعطينا قراءة جديدة في سلسلة الجبال المعروفة ضمن سلسلة الأطلس الصحراوي، ومعها ينتفي النسبي لصالح المطلق وتهيم الأرواح وتلتقي من مختلف العصور، حيث يلتقي الزهّاد مع مناضلي الثورة التحريرية وهم يقودون أشرس المعارك ضد جيش الاحتلال. كما يلتقي الراوي مع أفراد الجماعات المسلحة الذين جاؤوا في زمن آخر، ومع انتفاء عن الزمن ضمن المتن الروائي تعاد قراءة المكان من منظور مختلف. ولئن بدت المسافة الفاصلة بين الجلفة ومدينة سيدي خالد قرب بسكرة محدودة طبيعيا إلا أنها تمددت مع الزمن المطلق ومع تمددها استطاع السارد أن يمرر الكثير من الأفكار. وكان اختيار مهنة تدريس التاريخ في الثانوية موفقا إلى حد كبير، حيث يمرر من خلاله ما يشاء من المعلومات التاريخية التي سيبدو من قبيل الحشو لو لم تأت في هذا السياق، إلا أن الملاحظ أنه بالغ بعض الشيء في هذا الصمت إلى درجة أن الراوي حتى وهو في حالة الغياب عن الزمن التاريخي لم ينس نفسه كمعلم وتكلم عن الكثير من الأشياء دون أن يدعوه سياق السرد إلى ذلك، وربما كان ذلك من تأثير المهنة التي احترفها سنين طويلة في ذلك العالم المطلق الذي يكاد الزمن يتوقف عنده.
ولئن كان ذلك ”الحشو المعلوماتي” مبررا إلى حد كبير مع طبيعة الشخصية التي لا يمكن أن تتنكر لطبيعتها حتى وهي غائبة عن الواقع، إلا أن الشيء الذي يحتاج بالفعل إلى تبرير هو تطور السرد بطلق الطريق، فرغم أن رحلة الحج الداخلي تلك مرّت على العموم بشكل مقنع فنيا ومن خلالها أعدنا اكتشاف المكان بشكل لم نقرأه من قبل، إلا أن السياق في بعض الأحيان يبدو أنه جاء منفعلا وكأن السارد يريد للأحداث أن تتطور في اتجاه معين دون غيره من الاتجاهات الممكنة، فمن غير المفهوم أن طيف ”ميرة” الذي جاء عابرا في المنام دون إلحاح نفسي ودون معاناة حقيقية (في بداية الحكاية) يمكن أن يقود إلى تلك المغامرة المميتة، خاصة إذا علمنا أن الطيف نفسه كان يغيب طويلا عن بال السارد وهو يشق طريقه الوعر نحو عمق الرحلة، قبل أن يستعيد السارد في سحر الحكي الذي يجعل القارئ متمسكا بالنص إلى النهاية. ورغم هذا المأخذ إلا أن الكاتب عبد القادر برغوث من خلال سفره الروائي الأول هذا تمكن من صنع عالمه الخاص، وتمكن من صنع ”مكان” جميل وهو الشيء الذي حسب له خاصة إذا علمنا أن المتن الروائي على العموم يعاني من أزمة ”مكان” خانقة.
ولئن كان ذلك ”الحشو المعلوماتي” مبررا إلى حد كبير مع طبيعة الشخصية التي لا يمكن أن تتنكر لطبيعتها حتى وهي غائبة عن الواقع، إلا أن الشيء الذي يحتاج بالفعل إلى تبرير هو تطور السرد بطلق الطريق، فرغم أن رحلة الحج الداخلي تلك مرّت على العموم بشكل مقنع فنيا ومن خلالها أعدنا اكتشاف المكان بشكل لم نقرأه من قبل، إلا أن السياق في بعض الأحيان يبدو أنه جاء منفعلا وكأن السارد يريد للأحداث أن تتطور في اتجاه معين دون غيره من الاتجاهات الممكنة، فمن غير المفهوم أن طيف ”ميرة” الذي جاء عابرا في المنام دون إلحاح نفسي ودون معاناة حقيقية (في بداية الحكاية) يمكن أن يقود إلى تلك المغامرة المميتة، خاصة إذا علمنا أن الطيف نفسه كان يغيب طويلا عن بال السارد وهو يشق طريقه الوعر نحو عمق الرحلة، قبل أن يستعيد السارد في سحر الحكي الذي يجعل القارئ متمسكا بالنص إلى النهاية. ورغم هذا المأخذ إلا أن الكاتب عبد القادر برغوث من خلال سفره الروائي الأول هذا تمكن من صنع عالمه الخاص، وتمكن من صنع ”مكان” جميل وهو الشيء الذي حسب له خاصة إذا علمنا أن المتن الروائي على العموم يعاني من أزمة ”مكان” خانقة.
تعليقات