التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ميلاد سينما جزائرية جديدة للأفلام القصيرة


ملصقة فييلم قراقوز


صنع الفيلم السينمائي القصير «قراقوز» للمخرج الجزائري، عبد النور زحزاح، الحدث، عندما فاز بعدة جوائز دولية. ويتعلق الأمر بجائزتين ضمن الدورة الواحدة والعشرين لمهرجان ميلانو للسينما الأفريقية والآسيوية واللاتينية، و«جائزة سينيت» للجمعية الوطنية من أجل الثقافة السينماتوغرافية، ثم «جائزة سينييس» من أجل التسامح. ومن مدينة ميلانو الإيطالية إلى تطوان المغربية، يشارك الفيلم في «مهرجان المدينة الدولي» لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط في دورته السابعة عشرة، حيث فاز هناك بالجائزة الخاصة للجنة التحكيم. الفيلم المتوج مدته 24 دقيقة، وتتلخص حكايته في أب يشتغل على ترقيص دمى «القراقوز» أو «الكراكوز» كما يطلق عليها البعض، ويجوب برفقة ولده بعض القرى الجزائرية، ومن هنا تنطلق الأحداث التي تأخذ منحى آخر.
الفيلم أنتج بتمويل من صندوق المساعدات التقنية والصناعة السينماتوغرافية التابع لوزارة الثقافة الجزائرية بمساهمة من المركز الثقافي الإيطالي في الجزائر.
وقبل هذا التتويج كان مخرج جزائري آخر قد حقق نجاحا كبيرا، وهو مؤنس خمار، الذي استطاع أن يفوز فيلمه السينمائي القصير «العابر الأخير» بعدة جوائز معتبرة، ربما أهمها جائزة اللؤلؤة الذهبية بمهرجان أبوظبي الدولي. ونجح زميله، المخرج الشاب يانيس كوسيم، في الحصول على جائزة لجنة التحكيم عن فئة «نمر الغد»، عن فيلمه القصير «خويا» في مهرجان لوكارنو الدولي في دورته الـ63 الصيف الماضي بسويسرا.
ولم يكن نجاح المخرجين الجزائريين الشباب، عبد النور زحزاح ويانيس كويسم ومؤنس خمار، استثناء، بل جاء عنوانا لميلاد سينما جزائرية جديدة للأفلام القصيرة، بدأ مع العشر سنوات الأولى من هذا القرن، ويعتقد المخرجون الشباب أن نقطة التحول الحقيقية في الموضوع بدأت سنة 2003، وتجذّرت أكثر سنة 2007، وهي مرتبطة بالحصول على المال الكافي لإنتاج مثل هذا النوع، بعد أن كان من شبه المستحيل قبل هذين التاريخين. ويتعلق التاريخ الأول بتظاهرة «سنة الجزائر في فرنسا»، أما التاريخ الثاني فيتعلق بتظاهرة «الجزائر عاصمة للثقافة العربية».
ومن حسن حظ السينمائيين الجزائريين الشباب، أن الرعاية المادية، تزامنت مع الثورة الرقمية التي جعلت الإنتاج يتم بتكلفة بسيطة مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل تلك الثورة. وفي هذا الصدد يستعيد المخرج الجزائري، الشاب سليم أغار، المرحلة السابقة للرقمية ويقول: «كان الشريط الواحد يحتوي على ثلاث دقائق، وحتى تنتج فيلما قصيرا يجب أن يكون لديك على الأقل 20 شريطا، والشريط الواحد كان يكلف 150 فرنكا فرنسيا ساعتها. وهذا أحد الأوجه الكثيرة للصعوبة في إنتاج الأفلام القصيرة عند بداياتي الأولى». ويتكلم المخرج سليم أغار عن المرحلة التي تلت ذلك، بعد أحداث أكتوبر (تشرين الأول) 1988، ويقول: «مع سنة 1989، ومع التحولات السياسية التي عرفتها البلاد، عرف إنتاج الفيلم القصير تحولا آخر من ناحية تنظيم المهرجانات والوصاية غيرها. ومع حلول سنة 2003، وهي (سنة الجزائر بفرنسا) تغير الأمر بشكل جذري، حينها قام المركز الوطني السينماتوغرافي الفرنسي بتمويل خمسة أفلام جزائرية قصيرة. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الدولة الجزائرية تسهم في تمويل الأفلام القصيرة لأول مرة، وزادت الدولة من التمويل، خاصة مع سنة 2007، التي شهدت تظاهرة (الجزائر عاصمة للثقافة العربية)».
وعلى الرغم من بروز أسماء مهمة في سينما الأفلام القصيرة في الجزائر، وحصولها على جوائز دولية وإقليمية، فإن بعض السينمائيين الجزائريين الشباب، لم ترضهم مثل هذه التتويجات التي تشبه «الشجرة التي تغطي الغابة الكبيرة من المشكلات في القطاع».
وهو نقد ذاتي لا ينفي قيمة التتويجات، لكنه يركز على المشكلات والنقائص، ومنها مثلا حالة الغياب الكبير للمهرجانات المحلية في الجزائر التي يلتقي فيها السينمائيون من أجل التنافس ومناقشة القضايا المرتبطة بالقطاع، وحتى المشاركة في المهرجانات الدولية فهي تحتاج إلى مصاريف إضافية كثيرة لا يستطيع أصحاب الأفلام توفيرها في الكثير من الحالات، إضافة إلى غياب المعاهد المتخصصة في هذا النوع من السينما. ومعظم الذين يشتغلون في هذا الحقل من العصاميين، وحتى الأفلام التي تحصل على تمويل، فإنها في كثير من حالاتها لا تتم متابعتها وكيف صرفت ميزانيتها. ومن هذا الباب قد يحصل بعض المتطفلين على تمويل يفترض أن يحصل عليه سينمائيون حقيقيون.
وعلى الرغم من هذه النقائص المسجلة، فإن بعض المخرجين الشباب، غير المعروفين في كثير من الحالات يفاجئون الجميع بجوائز مهمة على المستوى الدولي والإقليمي، ولعل مؤنس خمار وعبد النور زحزاح ويانيس كوسيم هم عنوان لجيل جديد من السينمائيين الجزائريين قد يؤسس بعضهم لسينما جزائرية جديدة، من باب «الفيلم القصير».
الخير شوار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة