التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السينما الجزائرية تتكئ على الرواية مرة أخرى

السينما الجزائرية، وصفت كثيرا بالمناضلة، وقد وجدت ضالتها في الكثير من النصوص الروائية التي واكبت مراحل تطورها، ويبدو أن العلاقة مستمرة رغم تغير المعطيات التاريخية، ورواية «فضل الليل على النهار»، لن تكون الأخيرة في هذا السياق.

ياسمينة خضرة

الخير شوار
المخرج الفرنسي «ألكسندر أركادي» وصل إلى مرحلة متطورة من العمل على فيلم فرنسي ـ جزائري، هو في الأصل رواية بالفرنسية كتبها محمد مولسهول المعروف باسم «ياسمينة خضرا». الفيلم يحمل اسم «فضل الليل على النهار»، وينتظر أن يعرض السنة القادمة، وهو من إنتاج فرنسي ـ جزائري مشترك، يتناول حقبة الثلاثينات من القرن العشرين، الفترة التي عرفت احتفال فرنسا الكبير بمناسبة الذكرى المئوية لاحتلال الجزائر سنة 1930، كما شهدت بروز الحركة الوطنية الجزائرية وأثمرت ميلاد جبهة وجيش التحرير الوطني الجزائري الذي قاد ثورة الاستقلال بداية من الفاتح نوفمبر (تشرين الثاني) 1954.
كتب سيناريو الفيلم وحواراته «دانيال سانت أمو»، وهو فرنسي من مواليد مدينة معسكر الجزائرية. القصة تروي حياة «يونس» الذي نشأ بين طائفة «الأقدام السوداء». وهم الأوروبيون الذين عاشوا في الجزائر زمن الاحتلال الفرنسي قبل هجرتهم الجماعية أثناء الاستقلال والسنوات القليلة التي أعقبته. ونتيجة لظروف خاصة يجد يونس نفسه بين المعمرين وهو طفل، فيتم تعميده مسيحيا، ويغير اسمه إلى «جوناس»، ليعيش بعد ذلك قصة حب مع «إيميلي». وتصل محنة يونس (جوناس) مداها عندما يعيش تمزقا حقيقيا أثناء الحرب التحريرية. وهو المحور الذي تدور حوله أحداث تعالج قضية الثورة من منظور غير مسبوق في تاريخ السينما الجزائرية. وينتظر أن تشارك الفنانة الفرنسية من أصول جزائرية «إيزابيل أدجاني» في بطولة الفيلم الذي يصور في بعض مناطق الجزائر مثل وهران وعين تموشنت.
صاحب الرواية محمد مولسهول يدير حاليا «المركز الثقافي الجزائري» في فرنسا، ويثير الجدل دائما. منذ أن كان عسكريا اتخذ له اسما مستعارا حتى اعتقد الكثير من قرائه أنه امرأة، ولم يتخل عن الاسم الذي أعطاه شهرته العالمية، عندما كشف شخصيته الحقيقية. وبتحول روايته إلى فيلم يكون مولسهول قد حقق حلما طالما راود الكثير من الكتاب الروائيين، لكنه في المقابل ليس الروائي الجزائري الأول الذي يحول أحد نصوصه إلى الشاشة الكبيرة. فالسينما الجزائرية منذ نشأتها الأولى استعانت كثيرا بالنصوص السردية لكتاب معروفين، ومن ذلك الكاتب والباحث البارز في الثقافة الأمازيغية الراحل مولود معمري، الذي تحولت اثنتان من رواياته إلى السينما، أولاها «الأفيون والعصا» التي تحكي حرب التحرير الجزائرية انطلاقا من إحدى القرى في منطقة القبائل، وأخرجها للسينما سنة 1969 أحمد راشدي، في واحد من أشهر وأنجح الأفلام الجزائرية التي تناولت ثورة التحرير. ثم هناك رواية «الربوة المنسية» التي أخرجها عبد الرحمن بوقرموح في تسعينات القرن العشرين، وتحكي مأساة إنسانية زمن الحرب العالمية الثانية، وكان الدكتور طه حسين قد كتب عنها وأشاد بها كثيرا عندما قرأها في أصلها المكتوب بالفرنسية منذ زمن طويل.
من الأعمال الروائية الجزائرية التي تحولت إلى السينما «ريح الجنوب» للراحل عبد الحميد بن هدوقة، أخرجها محمد سليم رياض منتصف سبعينات القرن العشرين، وهي من النصوص المؤسسة للرواية الجزائرية بالعربية، وتتناول مشكلة فتاة متعلمة في بيئة متخلفة والصراع بين العلم والخرافة. الروائي نفسه اتفق بعد ذلك مع المخرج العربي الشهير صلاح أبو سيف على تحويل رواية أخرى له إلى السينما وهي «نهاية الأمس»، لكن ظروفا قاهرة ألغت المشروع على الرغم من تحمس أبو سيف الشديد للعمل حينها. وعلى رغم شهرته الواسعة وعلاقاته الكبيرة، لم يحظ الروائي الطاهر وطار بتحويل نصوصه السردية إلى السينما إلا مع «نوّة»، وهي قصة قصيرة من بداياته الأدبية التي نشرها ضمن أولى مجموعاته القصصية «دخان من قلبي» وأخرجها عبد العزيز طولبي الذي هاجر بعد ذلك إلى فرنسا واشتغل في أشهر قنواتها التلفزيونية. وعلى عكس الطاهر وطار فإن رشيد بوجدرة لم تنل نصوصه الروائية حظها من السينما، لكنه يبقى واحدا من أهم الروائيين الذين اشتغلوا بالسينما، وساهم في كتابة سيناريو وحوار فيلم «وقائع سنين الجمر» للمخرج محمد لخضر حامينا الذي نال السعفة الذهبية لمهرجان «كان» سنة 1975، كما كتب للسينما فيلم «علي في بلاد السراب» للمخرج أحمد راشدي، والذي تناول مشكلة العنصرية ضد العمال الجزائريين في فرنسا، إضافة إلى أعمال أخرى. وهو يشبه في هذا الروائي الجزائري المقيم في فرنسا مراد بوربون الذي كانت له أكثر من مساهمة في الكتابة السينمائية.
ومن روائيي «جيل السبعينات» في الجزائر، تحولت رواية أمين الزاوي «إغفاءة الميموزا» إلى فيلم أخرجه منذ سنوات سعيد ولد خليفة بعنوان «شاي آنيا». أما رواية «الأمير.. مسالك أبواب الحديد» للروائي واسيني الأعرج، التي تتناول شخصية الأمير عبد القادر الجزائري، فعلى الرغم من نجاحها الكبير وتتويجها بجوائز أدبية ذائعة الصيت، فإن صاحبها ينتظر تحويلها إلى فيلم بمقاييس عالمية، وينتظر الفرصة المناسبة لذلك بعد تعطل المشروع الأول، الذي قاده المنتج عبد العزيز طولبي، لأسباب تتعلق بالتمويل.

تعليقات

‏قال TZano
السلام عليكم
كانت الفكرة مجرد حلم و ستبقى ... إنه و فقط الموعد المناسب لتكون أول مرة يلتقي فيها المدونون الجزائريون
هل ستكون عشية أول نوفمبر في المعرض الوطني للكتاب
http://tzano-ar.blogspot.com/2009/10/blog-post.html

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة