وادي كنيس |
الخير شوار
يكاد يكون ما تبقّى من شارع واد كنيس الذي يتعرض للتهديم، ما هو مخصص لبيع الأثاث القديم، بما في ذلك بعض الكتب القديمة، والآلات الموسيقية الكلاسيكية ''البيانو'' بخشبها الفاخر ويقترب سعر بعضها من العشر ملايين سنتيم، والمزهريات والمرايا والثريات، التي تذكّر بالقصور الفاخرة، وكل ذلك بأسعار معقولة إلى حد بعيد· وغير بعيد عن تلك المحلات التي تفتقر إلى تدفق الزبائن بشكل مقبول والوقت يقترب من منتصف النهار، تقف شاحنات تبيع هي الأخرى أثاثا لأصحاب المحلات أنفسهم·
في هذا الجو، يبقى أصحاب المحلات متوجسين، خائفين مما سيأتي، وإشاعات قرب تهديم الشارع بما فيه، من محلات تطاردهم في كل حين، بصِيَغ مختلفة، فهم يريدون الحصول على زبون، وبالمقابل لا يريدون التكلم إلى الصحفيين عن المهنة ومتاعبها خوفا من الأضواء التي قد تجلب متاعب لا أول لها ولا آخر·
غرفة نوم بمليون ونصف مليون سنتيم!
وسط محلاّت شارع واد كنيس للأثاث القديم، يجلس شيخ على كرسي أمام محله بلحية بيضاء خفيفة قليلا، ينظر إلى أثاثه القديم تارة، وينتظر زبونا قد يأتي تارة أخرى، وعند فتح الموضوع، يتكلم الشيخ واسمه ''صالح'' معلقا على حاله: ''في فترة العطلة السنوية هذه رانا نتسمشو''، فكل الناس تقريبا هم الآن في عطلة مما يؤثر سلبا على عملية البيع والشراء بشكل كبير جدا· ويستدرك بالقول: ''صحيح هناك استثناء بالنسبة للفقراء الذين يتزوجون في فصل الأفراح هذا، فالكثير منهم يشتري غرفة النوم من هذا الأثاث القديم''·
وعن الأسعار، يقول عمي صالح أن سعر غرفة النوم يتراوح بين ومليون ونصف مليون سنتيم إلى 6 ملايين سنتيم جزائري، مع العلم أن غرفة 6 ملايين سنتيم، تعتبر سلعة نادرة ويصل سعرها ضمن الأثاث الجديد إلى 12 مليون سنتيم·
وعن كيفية الحصول على تلك المقتنيات، يقول شاب يعمل هناك: ''السلع نحصل عليها من السوق، في إطار اليد الثانية، وحتى اليد الثالثة أحيانا أخرى، ونشتري هذه السلع من عند أصحاب الشاحنات الذين يأتون إلى هنا من أجل بيع سلعهم، وهم بدورهم يشترونها بطرق مختلفة، فقد يلجأ أحد مثلا إلى تغيير أثاث بيته فيلجأ إلى بيت القديم منه·
الله يذكر ''الروامة'' على خير
يؤكد عمي صالح، الذي يتكلم بهدوء ومرارة على ما آلت إليه مهنته التي تقاوم الانقراض، بأن تلك الطريقة في البيع معروفة منذ زمن الاستعمار الفرنسي، فيلجأ أصحاب الشاحنات إلى المناداة ''التبراح''، طالبا ممّن كان يمتلك أي شيء يبيعه في هذا الإطار ومنها يحصلون على السلع التي يبيعونها لتجار التجزئة في مثل هذه المحلات·
ويؤكد في سياق آخر بالقول: ''المفارقة أنه في فصل الشتاء تكون السلع قليلة نسبيا لكن البيع مزدهر، في حين أنه في فصل الصيف تكثر السلع ويقلّ عدد المشترين بشكل كبير جدا، وعموما في السنوات الأخيرة تراجعت عملية البيع والشراء بشكل ملحوظ وتدهورت الأوضاع كثيرا، فزبوننا الأساسي هو العامل اليومي، والبطالة ازدادت بشكل كبير للغاية، على عكس السنين الماضية عندما كنا نعمل بشكل كبير وكسبنا الكثير من الأموال''·
لقد قضى عمي صالح أكثر من خمسٍ وأربعين سنة في هذه المهنة، ولا يتخيل نفسه خارجها، ويقول: ''منذ سنة 1963 وأنا في هذا المحل، قبلها جئت إلى واد كنيس في شهر جويلية 1945 قادما إليه من منطقة عين الكبيرة بولاية سطيف''· ويستطرد بالقول: ''عندما بدأت، كانت المهنة مزدهرة كثيرا خاصة مع الأوربيين الذين كانوا يبيعوننا أثاثهم وبعضهم يهم بمغادرة البلاد، ولم يبقَ لنا في هذه المهنة إلا حوالي سنة تقريبا عندما ينتهون من مشروع إعادة تهيئة رويسو ليلتفتوا إلينا ويقضوا على كل محلات واد كنيس هذه، فعندما كان حي رويسو ''العناصر'' عامرا، كانت التجارة مزدهرة، ومع تهديمه بشكل شبه كلي، تراجعت تجارتنا بهذا الشكل''·
يؤكد تجار شارع واد كنيس أن أحد عشر حانوتا تم تهديمها ولم يتم تعويض أصحاب تلك الحوانيت، ولحد الآن لم نعرف من هو صاحب مشروع إعادة تهيئة واد كنيس وكيف سيتعامل معنا؟ ومع المشاريع الكبرى التي يُشرف عليها الأجانب، لا مجال للبيع ويقول بعضهم: ''إذا ما هدموا لنا محلاتِنا، لا نطمع في بديل جيد، فـبسبب الحاجة الملحة''يبيعونها·
مهنة في طريق الانقراض
يؤكد عمي صالح، أنه بالإضافة إلى تهديد تهديم واد كنيس، ونقص زبائن حي رويسو الذي بقي فارغا، هناك تهديد آخر لا يقل خطرا، كمايؤكد: ''بعد خمسين سنة من ذهاب الأوروبيين، واستهلاك أثاثهم الفاخر طيلة هذه المدة، لم تعد لنا سلع جديدة يمكن أن تُغري الشاري، وكل المنتجات الجديدة مصنوعة من الخشب الرخيص، والنشارة وتفتقر إلى أدنى الجماليات أوالنقوش''·
حوار بين بائع وزبون
الزبون: ما هذه؟
البائع: هذه غرفة نوم، هل تريدني أن أبيعك، والخزانة لوحدها؟
الزبون: بكم؟
البائع: أعطني سومة
الزبون: والله يا عم دبر راسك··
البائع: أنا أحتفظ بـ les abats (أحشاء الذبيحة) وأبيعك الباقي··
(يُقصد بـ les abatsملحقات غرفة النوم من طاولة النوم وغيرها، هذه هي لغة التعامل)
الزبون: بكم تبيع؟
البائع: 2مليون و600 ألف سنتيم
يذهب الزبون، ويستمر البائع قائلا: إذا أردت التدرب في المهنة، عليك بالمجيء إلى هنا، فـ les abats مثلا معروفة عند الجزارين، لكن أحد البساكرة العاملين معنا هو من أطلق هذا الاسم على الأثاث·
تعليقات