التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بابلو نيرودا.. سفيرا فوق العادة لدولة تشيلي لدى الجزائر

بابلو نيرودا


تنظم سفارة دولة التشيلي لدى الجزائر، للعام الثاني على التوالي، معرضا متنقلا بين مختلف المدن، للصور الخاصة بالشاعر بابلو نيرودا، الذي أصبح بمثابة السفير الدائم لهذه الدولة لدى الجزائر، وهو الذي اشتغل في حياته بالدبلوماسية، وأصبح بعد وفاته «أيقونة» تشيلي من دون منازع. 

الخير شوار 
منذ أيام، انتقل سفير دولة التشيلي لدى الجزائر من مقر إقامته بالعاصمة، إلى مدينة المدية (نحو 100 كيلومتر إلى الجنوب)، ترافقه حرمه والقنصل العام في السفارة، حيث دار الثقافة للمدينة التي تحمل اسم الفنان الكوميدي الجزائري الراحل حسن الحسني، وهناك أشرف على افتتاح معرض لصور تتناول مراحل مختلفة من حياة الشاعر بابلو نيرودا، أحد أكبر الشعراء باللغة الإسبانية في القرن العشرين، والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1971 قبل وفاته بحوالي سنتين.

المعرض أطلق عليه اسم «الغائب»، وهو عبارة عن أربعين صورة، التقطها الشاعر بنفسه أو التقطها له بعض الأصدقاء المقربين، وتلخص مسيرة هذا الشاعر الذي أصبح بمثابة رمز دولة التشيلي، وخير سفير لها في العالم، ولا يزال كذلك على الرغم من أنه غادر الحياة منذ سنين طويلة. وكانت السيدة أنيتة زوريبيشل قرينة سفير الشيلي لدى الجزائر قالت عند تدشين معرض الصور، إن نيرودا سيبقى «رمزا حيا بالنسبة لكل التشيليين». وفي المناسبة ذاتها قال سفير دولة التشيلي في الجزائر إن المعرض الذي حط رحاله في مدينة المدية جنوب الجزائر، سيجوب مدنا ومناطق أخرى من خارطة الجزائر الكبيرة، حتى يتعرف المزيد من الجزائريين على هذا المعلم الشعري العالمي الكبير. 

ونيرودا، الذي نال أكبر الجوائز الأدبية في العالم، عمل في حياته في المجال الدبلوماسي كمستشار، وبعد انتخابه سناتورا، جرب حياة المنفى، ليعود إلى بلده سنة 1970، وسرعان ما التحق من جديد بالحقل الدبلوماسي، في عهد صديقه الرئيس الراحل سلفادور أليندي، الذي قتل في انقلاب عسكري عام 1973، وهي السنة نفسها التي توفي فيها هذا الشاعر الكبير. ومن سخرية الأقدار أن جلاده وجلاد صديقه، الجنرال أوغيستو بينوتشي تطارده الفضيحة والجريمة السياسية التي ارتكبها وهو في أرذل العمر، وأفلت من العقاب بعد أن غادر الحياة وقد تجاوز التسعين من عمره، لتبقى صورة نيرودا ناصعة في التاريخ، ويصبح خير سفير لدولة التشيلي في العالم، وفي الجزائر طبعا.

وليست هذه المرة الأولى التي يقام له فيها معرض متنقل بين مختلف المدن والمقاطعات الجزائرية. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، أقيم لنيرودا معرضا متنقلا للصور جاب نحو 20 ولاية (مقاطعة جزائرية)، إضافة إلى أمسية أدبية تكريمية حضرتها الكاتبة التشيلية أدريانا لاسال، ونخبة من الشعراء الجزائريين في المكتبة الوطنية الجزائرية. 

الجزائريون الذين تضامنوا مع بابلو نيرودا، طيلة الأحداث التي أعقبت الانقلاب في تشيلي عام 1973، قرأوه بالفرنسية، خاصة من خلال كتابه الأشهر «أشهد أني عشت» الذي كان دعوة لاكتشاف أميركا اللاتينية، قبل أن ينجز الشاعر عبد الله حمادي، أول جزائري يتخصص في الأدب الإسباني، كتابه المرجعي باللغة العربية «اقترابات من شاعر تشيلي الأكبر بابلو نيرودا»، وذلك بداية ثمانينات القرن العشرين. وهو عبارة عن سيرة حياتية شعرية متبوعة بترجمات لأشهر قصائده، التي شكلت رافدا مهما لتجارب الشعراء الجزائريين الذين سيكتبون باللغة العربية بعد ذلك. 

سفير التشيلي (الرسمي) لدى الجزائر، أدرك أن مهمته تلك هي سياسية بحتة، وأن خير سفير لبلده في الجزائر، وفي العالم ككل هو الشاعر بابلو نيرودا، وربما هذا هو سر التكريم المتواصل له سنة بعد أخرى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز

الباحث فوزي سعد الله: الفنانون اليهود غنوا التراث الجزائري الذي كان تراثهم بحكم انتمائهم للجزائر

يرى الباحث فوزي سعد صاحب كتاب ''يهود الجزائر•• مجالس الغناء والطرب'' الصادر حديثا عن منشورات ''قرطبة'' بالجزائر، أن علاقة يهود الجزائر بالغناء المحلي الجزائري، لم تكن طابو، لكنها تحولت إلى ذلك بفعل أسباب تاريخية معقدة، ويرى أن عودة بعض الفنانين اليهود إلى الغناء بعد انقطاع طويل يعود إلى أسباب كثيرة لا تخلو من التجارة، بعد أن أصبح هذا النوع من الغناء موضة في أوروبا، ويؤكد أن ارتباطهم بهذا النوع من الغناء وجداني ولا علاقة له بالسياسة: منتجين وإن نبغ بعضهم حاوره: الخير شوار وأنت الباحث في علاقة يهود الجزائر بـ ''مجالس الطرب'' المحلي، لماذا تحوّل هذا الموضوع إلى طابو؟ هل هي جناية السياسة على الفن؟ علاقة اليهود بمجالس الطرب الجزائرية لم تولد طابو كما تقول، بل تحولت إلى طابو لأسباب تاريخية • اليهود والمسلمون كانوا يغنون مع بعض في نفس المجالس، في نفس الأجواق الموسيقية، في نفس المدارس والجمعيات الموسيقية على غرار ''المطربية'' و''الأندلسية'' و''الجزائرية - الموصلية''، وحتى في جوق الإذاعة