التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فاروق اسميرة: شاعر ''أكله'' الجسر المعلق


لم يهدد بالانتحار، لكنه قرر وضع حد لحياته ونفّذ قراره.. اسمه فاروق اسميرة، ولم يكن نكرة عندما فعل ذلك، كان شابا مثقفا وشاعرا متميزا. وقف يوما أمام أحد جسور مدينته قسنطينة وحدّق في الهاوية قبل أن يلقي بنفسه من هناك لينهي حياته، كان ذلك سنة 1994 والبلاد تمر بأخطر منعرجاتها والموت يتربص بالكثير من الأسماء المعروفة وغير المعروفة.

المصيبة أن موت الشاعر فاروق اسميرة، مّر ''مرور الكرام''، ولم ينل إلا مساحة صغيرة جدا في بعض صحف ذلك الوقت، وبكاه بعض أصدقائه في صمت وبعضهم لم يسمع بموته إلا بعد مدة على ذلك الغياب.
إبن مدينة حامة بوزيان التي رأى فيها النور سنة ,1966 لم يكن في حاجة إلا إلى حوالي 15 سنة للوصول إلى أعلى جسور قسنطينة، حيث أنهى حياته وهو دون الثلاثين من العمر، وقبل أن يناقش رسالة الماجستير التي أخذت منه وقتا طويلا في زمن صعب بكل المقاييس، وقبل أن ينهي حياته بتلك الطريقة كان قد أهدى قصيدة لأحد أصدقائه الشعراء، وهو عبد الله بوخالفة الذي انتحر بدوره في أكتوبر 1988 عندما رمى بنفسه أمام القطار في إحدى ضواحي قسنطينة، القصيدة هي ''حيزية والفارس الجوال'' التي يقول فيها: ''تغيبُ في الغمامِ- دائمًا تغيب في الغمامْ- لتتركَ البحارَ والمدنْ-  وتنجلي هناك في السماءْ-هناك في ''الليل الفسيحْ''- يا أيها ''المسيحْ''- وكنت في ظلالك البيضاء راكضًا- في هدأةِ الصلاةْ- عيناك والثلوج والمشاعل الحزينه''.
لقد أثّر انتحار الشاعر عبد الله بوخالفة في نفسية هذا الشاعر وقرر الالتحاق به بعد حوالي ست سنوات من ذلك. كان فاروق اسميرة صديقا لأهم الشعراء الحداثيين من جيله مثل نجيب انزار وعادل صياد الذي سبق له وأن كتب شهادة بشأنه جاء فيها: ''لست أدري ماذا كان يقول صديقي فاروق وهو يهوي بجسده من الجسر المعلّق في الخواء. بالتأكيد لم يكن ينوي الانتحار.. كان يرغب في اختراق القشرة الأرضية، والنفاذ منها إلى الفراغ الفسيح، والتحليق في أرجائه تحليقا أبديا، يليق بجناحيه وقدرته على الطيران''.
الخير شوار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لعنة كريستوف كلومب التي أصابت أجيال الجزائريين: كشف الغمّة في تاريخ الشمّة

لم يكن الرحالة المستكشف كريستوف كلومب، وهو يبحث عن طريق غربية نحو الهند، أن اسمه سيرتبط إلى الأبد بأمريكا (العالم الجديد)، وبالتبغ وبـ ''الشمة'' أيضا التي غزت الجزائر منذ قرون، ومازالت تسيطر على عقول الناس عندنا، مثلما سيطر ''القات'' ويسيطر على عقول اليمنيين · عندما اكتشف الرحالة الإسباني من أصل إيطالي كريسوف كلومب القارة الأمريكية، اكتشف معها مادة التبغ التي كان يُعتقد بأنها دواء شافي لبعض الأمراض، ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت تنتشر عادة استهلاك هذه المادة في شكل سجائر انطلاقا من إسبانيا والبرتغال قبل أن تكتسح السيجارة العالم وتعود من جديد إلى بلد الهنود الحمر في شكلها الجديد· وغير بعيد عن إسبانيا انتشرت في الضفة الجنوبية للمتوسط عادة من نوع آخر·· التبغ لا يحرق في سجل سجائر وإنما تعاد معالجته إضافة إلى مواد أخرى ليوضع في الفم ويسمى ''الشمة''، أو يسحق تماما ليشم على طريقة الكوكايين والهيروين ويسمى في هذه الحالة ''النفة''، ولئن كانت النفة محصورة إلى حد ما لدى فئة محدودة من الناس، فإن شقيقتها الشمة كثير...

زوكربيرغ و"الربعة دورو أنتاع الكبش"

الخير شوار لا يملّ الكثير من الجزائريين من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي من إعادة نسخ صورهم القديمة التي تعود إلى زمن الأبيض والأسود وإعادة نشرها من جديد، مثلما "يبدعون" في نشر كل ما له علاقة بطفولتهم أو ماضيهم البعيد نسبيا، من علب حليب "لحظة"، وعلب السجائر مثل "الأفراز" و"الصافي" و"النسيم"، وعلبة "الهقار" التي تمثل جماعة من التوارق جالسين وأحدهم واقف، التي تذكّر بنكتة مفادها أن أحدهم قال إنه لن يقلع عن التدخين حتى يجلس ذلك "التارقي الواقف"، حتى الأوراق والقطع النقدية على غرار ورقة الخمس دنانير "أنتاع الثعلب" وورقة العشر دنانير الكبير، أو حتى ورقة الخمسمائة دينار التي سُحبت بشكل مفاجئ من التداول سنة 1982 وكشفت حينها عن متسولين وفقراء يمتلكون الأكياس منها. ولا يتردد البعض في نشر روابط من اليوتيوب تمثل مسلسلات ذلك الوقت مثل "ستارسكي وأتش" والمسلسل الموسيقي الأمريكي "فايم" وغيرها كثير. أشكال كثيرة منشورة تملأ الفيسبوك، ربما لا تعرفها الأجيال الجديدة التي تعتمد لغة "العربيز...

عنابة تحت رحمة اللصوص والشواذ

تحوّل وسط عنابة من ''الكور''، بهندسته الفريدة، إلى سيدي سالم الحي القصديري، الذي أراده الكثير من الشباب نقطة انطلاق نحو جنة الشمال عند الشواطئ الجنوبية لإيطاليا·· ومن هنا تبدأ حكاية واحدة من أجمل مدن البحر الأبيض المتوسط، وهي تعيش حالة موت مبرمج· ساحة الثورة المعروفة شعبيا بـ"الكور"، قلب مدينة عنابة روبورتاج: الخير شوار رغم مرور سنين طويلة على تغيير تسميته إلى ساحة الثورة، إلا أن ''العنانبة'' وكل زائريه لا يتكلمون عنه إلا باسمه الأصلي، ''الكور''، الذي لا يشبهه في الجمال والتصميم إلا شارع الحبيب بورقيبة المتمادي في عرضه، ويقول العارفون إن المهندس نفسه هو الذي صمّم الشارعين· ''الكور'' يبدأ من محطة القطار وينتهي عند الكنيسة القديمة، قرب ثانوية بيار وماري كوري· وقد أزيلت تلك الكنيسة العتيقة من الوجود وتم تحويلها إلى بناية عصرية يمر من تحتها طريق يؤدي إلى أحياء أخرى· ولئن كان ''توأم الكور'' شارع بورقيبة يحافظ على حيويته، فإن ''الكور'' العنابي رغم جماله الظاهر وأشجاره ا...